بقلم رنا الحسيني
عمّان – يحتفل العالم سنويًّا بيوم حقوق الإنسان في 10 كانون الأوّل/ ديسمبر، إحياءً لذكرى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان في سنة 1948.[i] يتضمّن الإعلان ديباجة و30 مادّة تحدّد مجموعة واسعة من حقوق الإنسان والحرّيّات الأساسيّة، ومن ضمنها حقوق العمالة المهاجرة.
ولكن قبل عدّة أشهر من اليوم العالميّ لحقوق الإنسان، أوصت لجنة أردنيّة شُكّلت لتحديث القطاع العامّ، وهي برئاسة رئيس الوزراء الأردنيّ بشر الخصاونة وعضويّة عدّة وزارات ومؤسّسات حكوميّة وخبراء وخبيرات وممثّلين/ات من القطاع الخاصّ، أوصت بإلغاء وزارة العمل. وبرّرت اللجنة الإلغاء بأنّه يأتي في إطار عملها في تقييم القطاع العامّ للارتقاء بمستوى جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين/ات وتحسين أداء الإدارة العامّة.
وأبدى العديد من الناشطين والناشطات تخوّفهم/نّ من أن ينعكس هذا القرار سلبًا على حقوق العمّال المهاجرين/ات واستقرارهم/نّ، وأن يزيد من "التعقيدات والمتطلّبات البيروقراطيّة" التي يجب أن يتّبعوها للعمل في الأردن.
وزارة العمل الأردنيّة
تضمّ وزارة العمل 19 مديريّة ووحدة في مركز الوزارة، و19 مديريّة أخرى في الميدان في جميع المحافظات، إضافة إلى 12 مكتب عمل شبيهًا بالمديريّات، فيما يبلغ عدد الموظّفين/ات والعاملين/ات فيها 701.
تشكّل العمالة المهاجرة (أو العمالة الوافدة) ما يقارب 28% من حجم القوّة العاملة في الأردن، إذ يقارب العدد مليونًا وربع المليون، شاملًا العمالة النظاميّة وغير النظاميّة. وقد بلغ عدد العمّال النظاميّين/ات الذين يملكون/ن تصاريح عمل لسنة 2021 ما يقارب 333,283 عاملًا/ة مهاجر/ة، ويعملون/ن في العديد من القطاعات منها الزراعة والبناء والتشييد والتحميل والتنزيل والعمل في المنازل وقطاع التجميل وفي المصانع وغيرها من القطاعات.[ii]
بموجب المادّة 12 من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996، يُستقدم العامل/ة المهاجر/ة بشرط موافقة وزير العمل أو من يفوّض بذلك؛ فمن هنا تبدأ العلاقة بين العامل/ة المهاجر/ة ووزارة العمل. بمجرّد الوصول إلى الأردن، يتمّ تصويب الأوضاع القانونيّة للعامل/ة واستخراج تصريح عمل من قبل إحدى الـ 19 مديريّة عمل و12 مكتب عمل شبيه بالمديريّة الموزّعة في محافظات المملكة كافّة.[iii]
مشكلة عالميّة
بحسب مكتب المفوّض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة يوجد أكثر من 280 مليون شخص، بمن فيهم العمّال المهاجرون/ات واللاجئون/ات وطالبو/ات اللجوء والمهاجرون/ات الدائمون/ات وغيرهم/نّ، يعيشون أو يعملون في بلد غير بلد المولدهم أو الجنسيّة. ويعاني الكثير منهم/نّ، وأسرهم/نّ أيضًا، التهميش وكره الأجانب وظروف العمل والمعيشة السيّئة. وفي الحالات الأكثر خطورة، يتعرّضون للاستغلال والطرد ولمخاطر تهدّد حياتهم/نّ.[iv]
تخوّفات المجتمع المدنيّ الأردنيّ
يشير الدكتور أحمد عوض، الخبير الاقتصاديّ ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصاديّة، إلى أنّ إلغاء الوزارة جاء في سياق إضعاف معايير العمل والحقوق العمّاليّة لصالح تشجيع الاستثمار ومؤسّسات أصحاب العمل.[v]
وأشار عوض إلى أنّ العمالة المهاجرة هي من الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع الأردنيّ والأكثر عرضة للانتهاكات والإساءات والتمييز في كثير من القطاعات وخصوصًا عاملات المنازل والعاملون/ت في قطاعي الملابس والزراعة.
ويوضّح عوض أنّ "هذا القرار بالتأكيد لن يصبّ في مصلحة العمّال والعاملات بشكل عامّ وخصوصًا المهاجرين بسبب مخاوف من فقدان الحقوق العمّاليّة والإنسانيّة، لأنّ القرار سيخلق العديد من المرجعيّات المتعلّقة بحقوقهم. وعلى الدولة الأردنيّة العمل على الحفاظ على مصالح مختلف الأطراف".[vi]
وأثنت المديرة التنفيذيّة لجمعيّة تمكين للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان لندا كلش على كلام الدكتور عوض قائلة إنّ الإجراء سيساهم في خلق تمييز في التعامل والمرجعيّة بين العمّال/ات الوافدين/ات والعمّال/ات المهاجرين/ات.[vii]
وأضافت، "بالأصل، معظم العمّال والعاملات المهاجرين لا يعلمون الكثير عن المرجعيّات الواجب التواصل معها. وإلغاء الوزارة سوف يزيد من معاناتهم/نّ وممكن أن يؤدّي ذلك إلى فقدان الكثير من حقوقهم/نّ العمّاليّة مستقبلًا".
وأضافت كلش أنّ العمالة المهاجرة لا تزال تتعرّض إلى العديد من الانتهاكات اللفظيّة والجسديّة والجنسيّة على يد بعض أصحاب العمل، وخصوصًا عاملات المنازل اللواتي قد تُفرض عليهنّ الإقامة قسرًا في مكان العمل.
وأوضحت أنّ الكثير من عاملات المنازل "هنّ من العاملات المهاجرات ولهنّ خصوصيّة معيّنة تحديدًا لأنّ الكثير منهنّ اشتكين في الماضي من صعوبة الوصول إلى الجهات المعنيّة في وزارة العمل لتقديم شكوى أو للمطالبة بحقوق محدّدة، في حين تتردّد الكثيرات باللجوء إلى الدوائر المعنيّة فكيف سيكون الوضع عندما تضطرّ بعض العاملات إلى اللجوء مثلًا إلى وزارة الداخليّة مستقبلاً؟ أتوقّع أنّ الكثير منهنّ سيحجمن عن الذهاب إلى هذه الوزارة لتقديم شكوى أو للتظلّم".[viii]
دراسة منظّمة العمل الدوليّة
أعلنت ممثّلة منظّمة العمل الدوليّة في عمّان ريم أصلان أنّ المنظّمة بصدد إجراء دراسة شاملة حول أثر إلغاء الوزارة وتأثير ذلك على حقوق العمّال والعاملات، بمن فيهم الأطفال.[ix]
وأردفت "مَن سيحمي عمالة الأطفال وحقوق العمّال/ت المهاجرين/ات بعد إلغاء الوزارة رسميًّا في المستقبل القريب؟ هناك الكثير من الأسئلة العالقة المتعلّقة بأمور إداريّة وتنظيميّة تتعلّق بحقوق العمّال/ات وأصحاب المنشآت والأعمال. فمَن سيقوم بهذا الدور في حالة إلغاء الوزارة؟"
وجهة نظر حكوميّة
في حين دافعت عضوة لجنة تحديث القطاع العامّ والوزيرة السابقة نسرين بركات عن القرار قائلة إنّ إلغاء وزارة العمل الذي سيُعمل به بشكل نهائيّ في سنة 2024، لن يلغي مهامها الأساسيّة.[x]
وأوضحت أنّ "إلغاء الوزارة جاء لرفع كفاءة المؤسّسات وإزالة التقاطعات في مهام الوزارات، وسوف تتولّى وزارة الصناعة والتجارة حماية العامل/ة والمؤسّسات الصناعيّة والتجاريّة، ومن ضمنها العمّال والعاملات المهاجرين/ات".
وقالت بركات، التي تشغل أيضًا منصب المديرة التنفيذيّة لمنتدى الاستراتيجيّات الأردنيّ أنّ التأكّد من التطبيق الفعّال للخطط والاستراتيجيّات واستمراريّة تنفيذها كان هو التحدي الأكبر أمام القطاع العامّ خلال السنوات السابقة.
كما ورأت أنّ العمالة المهاجرة لن تتأثّر بإلغاء الوزارة، مفيدة أنّ "التغيّرات القادمة سترافقها رقمنة الخدمات والتي سوف تقلّل من احتكاك المواطن/ة والعامل/ة، ومن ضمنهم المهاجرون/ات، حيث ستتيح لهم/نّ هذه الخدمات الإلكترونيّة الوصول إلى حقوقهم/نّ من خلال الوسائل التقنيّة وبدون الحاجة إلى زيارة الدوائر الحكوميّة بشكل شخصيّ".
التوصيات
دعا كلّ من الدكتور أحمد عوض ولندا الكلش الحكومة إلى التراجع عن قرارها بإلغاء وزارة العمل وذلك حفاظًا على حقوق العمّال والعاملات المهاجرين/ات وإلى دراسة سوق العمل لمعرفة احتياجات العمّال/ات المهاجرين/ات.
كما ودعا مركز تمكين، في مناسبات عديدة، إلى تفعيل بعض التشريعات وتعديل بعضها الآخر لحماية حقوق العمّال/ات المهاجرين/ات نظرًا لعدم مواءمة القوانين وتناقضها، ما يوقع شريحة كبيرة من العمّال/ات المهاجرين/ات ضحيّة لانتهاكات قد ترقى في بعض الحالات إلى شبهة الإتجار بالبشر.[xi] وشدّد المركز على أنّ الأردن يعتبر متقدّمًا تشريعيًّا بما يتعلّق بحماية حقوق العمالة المهاجرة، إلّا أنّ عدم ترجمة نصوص القوانين على أرض الواقع قد أفقدها قيمتها.[xii]