غياب الترجمة وتمكينهم باللغة يهدر حقوق مهاجرين في الأردن

وقت القراءة: %count دقائق
صورة للاردن

    بقلم شفاء القضاة

عام 2017 وصلت العاملة الأوغنديّة ماتيلدا - اسم مستعار- إلى الأردن بغية الحصول على عملٍ لإعالة أختها الوحيدة ودفع تكاليف دراستها الجامعيّة وتحقيق حلمها في دراسة تخصص الفنون بعد أن توفيّ والداها وتركاها وشقيقتها دون أيِّ مصدر دخلٍ يعيلهما، غيرَ أنها لم تدرك بأن ثمن حلمها سيكون تمنيها للموت وعيشها في الجحيم حتى كتابة هذا التقرير.

 بدأت قصة ماتيلدا حين قام مكتب استقدام عاملات المنازل بتغيير عمرها ليتناسب مع أحكام القانون الأردنيّ الذي يمنع تشغيل الأطفال إلا ضمن استثناءات وبشروط وعمرٍ محدد، وعملت لدى سيدةٍ كبيرةٍ في السنّ توفيت بعد 3 أشهر من بداية عملها لديها وهو ما دفع أولادها للطلب من ماتيلدا العودة إلى اوغندا بعد تأمين ثمن تذكرة السفر لها، غير أنَّ تعامل سيدة المنزل اللطيف معها - على حدّ وصفها-، دفعها إلى البحث عن مكانِ عملٍ آخر.

 انتقلت بعدها للعمل في منزل سيدةٍ اضطرت للسفر خارج البلاد بعد 7 أشهر من بداية عمل ماتيلدا عندها، وهو ما اضطرها للتواصل مع المكتب وطلب مساعدتهم للحصول على عملٍ آخر، ليعرض عليها معاذ - اسمٌ مستعار- وهو أحد العاملين في المكتب العمل بمنزله وحين رفضت وطلبت منه مساعدتها بالوصول إلى السفارة الأوغنديّة (قبل أن تعرف بأنه لا وجود لسفارة أوغنديّة في الأردن) ضربها بشدة وحبسها في غرفةٍ لعدة أيام قبل أن ينقلها إلى منزله بالإجبار.

 بداية المعاناة

تقول ماتيلدا إنَّ إصابتها بالمرض والألم الجسديَّ الذي كانت تشعر به دفعاها للرضوخ والعمل لدى معاذ الذي أجَّل دفع رواتبها مدة شهرين وأخذ جواز سفرها وحَرَمَهَا من الإجازات والعطل، وطلب من أطفاله وضع الفلفل لها في الماء وإجبارها على شربه وإن رفضت يقومون بصفعها، تصف ذَلك "ذات يوم ضرب رأسي بالحائط أمام الأطفال وهو يضحك، وقامت زوجته بسكب الماء الساخن عليّ وحرقي ورفضت اصطحابي للمشفى".

 بعد مضيّ سنتين وشهرين استطاعت ماتيلدا معرفة الرقم السريّ للحاسوب المحمول الخاص بأحد الأطفال وتواصلت مع شقيقتها عبر تطبيق "ماسنجر" والتي قامت بدورها بإيصال ما تعرّضت له للجهات المعنيّة في الأردن والتي تواصلت مع معاذ غير أنه أكد لهم أنه سيقوم بتسفيرها إلى اوغندا في اليوم التالي، تروي ما حدث معها "قام بضربي وتهديدي بأنه سيقتلني في حال لم أقم بالاعتراف عبر مقطعٍ مصوّر بأنني أخذت مالي، خفت كثيرًا ورضخت له".

 بعد أيام وحين ما كانت تقوم بتنظيف المنزل طلبت من أحد الأطفال (10 أعوام) فتح الباب لها لتخرج النفايات وانتهزت الفرصة لتخرج إلى الحريّة وتتجه إلى ملجأ النساء التابع لإحدى المنظمات التي سبق وتواصلت شقيقتها معهم.

 العيش في الجحيم

قد تعتقد عزيزي القارئ بأن القصة انتهت بوصولها للملجئ ومساعدتها من قِبل إحدى الجمعيات الحقوقيّة، إلا أنَّها وحين تقدمت بشكوى ضد معاذ لم يحضر وطلب من زوجته رفع شكوى ضد ماتيلدا بسرقتها لهاتف محمول وحاسوب وجهازٍ لوحيّ ومبلغ 6 آلاف دينار (8474 $) ومحاولة قتلهم؛ لتستدعيها الشرطة وتبدأ معاناتها الأخرى بعدم وجود من يمكنه التحدّث باللغة الإنجليزيّة معها.

 حاولت ماتيلدا شرح ما مرّت به لهم، إلا أن أحدهم صرخ بها باللغة العربيّة بأنها لصّة ولا يريدون الاستماع لها، وحين نُقلت إلى المحكمة لم تجد أيَّ مترجم قادرٍ على مساعدتها على الرغم من أنَّ قانون أصول المحاكمات الجزائيّة ينص في الفقرة 4 من المادة 72 على أنه "إذا كان الشاهد أصما أو أبكما ولا يعرف الكتابة، أو إذا كان لا يحسن التكلم باللغة العربية فيعين له المدعي العام مترجما".

لم تتمكن ماتيلدا من الدفاع عن نفسها أو فهم ما يحدث في المحكمة إلى أن أخبرتها إحدى العاملات عن جمعية تمكين للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان التي ساعدتها بمترجم، وتابعت معها قضية اتهام السرقة، وطالبت الجمعية أيضا بأجورها المتأخرة. وما تزال ماتيلدا حتى الآن متواجدةً في الأردن بانتظار الحصول على حقوقها؛ إذ تعيش في إحدى ضواحي العاصمة عمّان وسط خوفٍ دائم من أن تكتشف  الشرطة مكانها بعد التعميم عليها نتيجة شكوى زوجة معاذ حول أنها لصّة هاربةٌ من المنزل، في الوقت الذي لم يدفع فيه أجورها بعد، ونتيجةً لكل هذا لم تتمكن من زيارة مركز الشرطة والتقدّم بشكوى تعرّضها للاعتداء والإهانة أثناء عملها الأخير في أحد الفنادق، كما توفيت شقيقتها في حادث أواخر عام 2021 وهي تحاول مساعدة أختها على تحصيل حقوقها.

مليون وربع عامل مهاجر

يصل عدد العمال المهاجرين العاملين في الأردن إلى مليون وربع عامل نظاميّ وغير نظاميّ بنسبة تصل إلى 28% من حجم القوى العاملة في الأردن؛ وفقًا لإحصائيات وزارة العمل، فيما بلغ عدد العمال النظاميين الذين يملكون تصاريح عمل لسنة 2021 ما يقارب 333,283 عامل مهاجر، وهو ما يعني وجود آخرين يتعرضون لانتهاكات وظروف عملٍ صعبة إلا أنهم غير نظاميين.

ونصّت الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في أكثر من مادة على أهميّة اللغة بالنسبة للعمال المهاجرين وضرورتها، ومن ذَلك ما نصّت عليه المادة 7 "تتعهد الدول الأطراف، وفقا للصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، باحترام الحقوق المنصوص عليها في هذه الاتفاقية وتأمينها لجميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها دون تمييز من أي نوع، مثل التمييز بسبب الجنس، أو العنصر، أو اللون، أو اللغة.." والفقرة 8 من الماد 16 المتعلقة بإجراءات المحاكمة ".. وتوفر لهم عند حضورهم هذه الدعوى مساعدة من مترجم شفوي، لو اقتضى الأمر ودون تحميلهم تكاليفه، إذا كانوا عاجزين عن فهم اللغة المستخدمة أو التحدث بها..".

اللغة ليست العائق الوحيد الذي يواجه العمّال المهاجرين؛ إذ يعاني العديد منهم من ظروف عملٍ صعبةٍ وانتهاكاتٍ يرقى بعضها إلى جريمة الاتجار بالبشر؛ حيث يتم حرمانهم من الإجازات والعطل، وتأخير دفع الرواتب أو عدم دفعها، والعمل لساعاتٍ تتجاوز ساعات العمل المحددة في القانون الأردنيّ، وتلقي أجور منخفضة، وحرمانهم من التواصل مع عائلاتهم، واحتجاز جواز سفر العاملات في المنازل، وغيرها من الانتهاكات التي يعاني الكثيرون من صعوباتٍ في إيصالها للجهات المعنيّة وذلك نظرًا لعدم إتقانهم اللغة العربيّة وبالتالي عدم معرفتهم كيفية الوصول للمنظمات الحقوقيّة أو عدم وجود من يتقن الإنجليزيّة لدى الجهات المعنيّة أو  وجود من يتحدث بها دون إتقانها، وفي حالاتٍ أُخرى عدم قدرة العامل على الحديث بالإنجليزيّة أو العربية واستخدامه لغته الأم وعدم توفر المترجمين لها.

 قابلنا 14 عاملةً وعاملة من الفلبين والصين والهند وإثيوبيا وأوغندا وسريلانكا في كلٍ من مناطق جبل عمّان ووسط البلد وجبل الحسين وعبر الهاتف، والذين عانوا نتيجة عدم إتقانهم للغة العربيّة وقدرتهم على التواصل وإيصال ما يمرون به للجهات المعنيّة، وفي حين عاد البعض منهم إلى بلدهم واستسلموا عن المطالبة بحقوقهم، يعاني آخرون في ظل الحصول عليها، وذلك وسط عدم تدخلٍ واضح من بعض سفارات بعض البلدان وتقاعس الجهات الرسميّة.

من الصين إلى الأردن

عام 2012 وصل ماشومين - اسم مستعار - إلى الأردن مسافرًا من الصين رغبةً في دراسة تخصص الشريعة الإسلاميّة ثم البحث عن عمل، إلا أنه تعرَض لاعتراضٍ من الأساتذة في الجامعة لعدم إتقانه نطق الحروف العربية بشكلٍ جيّد وهو ما دفعه لترك الجامعة بعد سنتين والعمل في أحد المطاعم الصينيّة قبل أن يحصل على فرصةٍ أُخرى عمل فيها بأحد مصانع مدينة إربد مع مجموعةٍ من الصينيين دون حاجةٍ لإتقان اللغة العربيّة للتواصل مع كافة الزملاء، غير أنه لم يدرك بأن عدم إتقان اللغة سيحول دون حصوله على إجازات وساعات عملٍ تصل إلى 12 ساعةً يوميًا مع راتبٍ لا يتعدى 150 دينارًا (211 دولار).

حاول ماشومين التواصل مع صاحب العمل الذي تجاهل طلباته ونتيجةً لعدم توفر مترجم لم يتمكن من اللجوء لوزارة العمل لتقديم شكوى بهذا الشأن، ليفاجئ بعدها بإبقاء العمال معًا في غرفٍ صغيرة خلال انتشار وباء كورونا وعدم اتباع تعليمات الصحة والسلامة المهنيّة للوقاية من الوباء، والاعتداء عليه لفظيًا من أصحاب العمل، وطرده بحجة إصابته بالفيروس، ليعود إلى الصين دون الحصول على حقوقه.

اختلاف اللغة

ولعل مسألة اختلاف اللغة من أهمّ العوائق التي تواجه العمال المهاجرين في إيصال شكاويهم أو ما يتعرضون له، إذ تحول دون تواصلهم بشكلٍ سليم مع جهات إنفاذ القانون أو المحاكم، فيما لا تعمل هذه الجهات على تأمين المترجمين بشكل دائم، وفي حالاتٍ أُخرى لا يمكنهم الوصول للمنظمات الحقوقيّة المحليّة التي تساعدهم فيما يتعلق بالانتهاكات والشكاوى أو معرفة وفهم القانون.

ينتقد الخبير العماليّ حمادة أبو نجمة غياب اللغة عن قانون العمل، إلا حين الحديث عن عقود العمل التي يشترط أن تكون بلغةٍ يفهمها العامل، في حين نصّ قانون أصول المحاكمات الجزائيّة على تعيين مترجم للعامل غير الناطق باللغة العربيّة.

ويشير إلى ضرورة توفير الدولة للمترجمين في حال كانت الإجراءات التي يحتاج لها العامل جزءً من مرحلة التقاضي أو الوصول للعدالة، إضافةً إلى توفير وزارة العمل للخط الساخن الذي يقوم على توفير بعض الترجمات للعمال.

ترى المديرة التنفيذيّة لجمعية تمكين لندا الكلش بأنَّ اللغات المتعددة وعدم وجود مترجمين أكفاء من ناحية الجودة حالت دون وصول بعض العمّال للعدالة، إذ لا وجود لمترجمين ولا لنظام يكفل للعامل تقديم الشكوى بطريقة واضحة.

 

وزارة العمل والعمّال

يقول الناطق باسم وزارة العمل جميل القاضي إنَّ هناك عددًا من المترجمين في وزارة العمل مثل؛ مترجمي اللغات؛ البنغالية، والهندية، والإندونيسية، والفلبينية والإنجليزية، إضافةً إلى  منصة حماية الخاصة بالشكاوي باللغة العربية والإنجليزية و"التي سيتم إطلاقها قريبًا بـ 10 لغات".

 "هذه المنصة ستتيح للسفارات تقديم شكوى نيابةً عن العامل، إضافةً إلى وجود تنسيق ما بين وزارة العمل ومديرية الأمن العام بشكل عام فيما يتعلّق بالترجمة"، يقول القاضي.

 فيما يقترح أبو نجمة وجود مكانٍ محددٍ للمترجمين الذين يمكنهم مساعدة العمال، إذ أنَّ من المفترض توفير الخدمات للعمال بغية الوصول إلى حقوقهم، وهو ما لا يعفي الدولة المرسلة وسفارتها من المسؤوليّة تجاه توفير المترجمين للعمال.

كما أنَّ إنشاء نظامٍ تكنولوجيٍّ عن بعد للمساعدة على ترجمة اللغات من لغة العامل الأم إلى العربيّة بوجود لغةٍ وسيطة وهي الإنجليزيّة وذلك لمساعدة العمال على توصيل قضاياهم وشكاويهم دون أن تحول اللغة بينهم وبين ذَك، واحدة من المقترحات تراها الناشطة كلش فعالة لمساعدة تلك الفئة المهمشة في الأردن.

 _____________________________________________________________

تم انتاج هذا المقال كجزء من المدرسة الصيفية للصحفيين/ات المحترفين/ات تحت شعار "رواية قصص المهاجرين/ات ورفع أصواتهم/ن"، والتي نظمتها مؤسسة هينرش بُل - مكتب فلسطين والأردن بالتعاون مع جمعية اتحاد المرأة الأردنية. الآراء الواردة في المقال هي آراء الكاتبة ولا تعكس بالضرورة آراء مؤسسة هينرش بُل و جمعية اتحاد المرأة الأردنية.