هل نقول وداعاً لوزارة العمل الأردنية ؟

مقال

هل ستُلغى وزارة العمل فعلاً ؟ من سيقوم بهذه المهام جميعها ؟ و ماذا سيحصل للعمال ومن سوف ينظم أمورهم؟!

شعرت بأرق حيال نشر توصية لجنة تحديث القطاع العام بإلغاء وزارة العمل ونقل مهامها الى الوزارات الأخرى، وثار في نفسي العديد من التساؤلات، ترى ما سبب هذه التوصية وعلى ماذا بُنيت، وماهي تبعات و أثار إلغاء وزارة العمل؟!

MoL picture

مقال بقلم المستشارة القانونية أسماء عميرة

شُكِّلَت لجنة تحديث القطاع العام بتاريخ 26/12/2021م من 12 عضواً، برئاسة دولة رئيس الوزراء، ووزير التخطيط  و وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، ووزير دولة شؤون المتابعة والتنسيق الحكومي، ووزير الاقتصاد الرقمي والريادة،  ومديرة منتدى الاستراتيجيات الأردني و مدير مركز الملك عبدالله الثاني للتميز ورئيس ديوان الخدمة المدنية ورئيس ديوان التشريع والرأي، وخبير تطوير موارد بشرية بالاضافة الى ممثلين من القطاع الخاص .

وأدرجت  لجنة تحديث القطاع العام  في بداية اغسطس/ آب للعام الحالي 2022  ومن ضمن عدة توصيات توصية  بإلغاء وزارة العمل وذلك في إطار عملها في تقييم القطاع العام للارتقاء بمستوى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتحسين أداء الإدارة العامة، وكانت هذه التوصية صادمة إذ لم تتطرق الوثيقة إلى مبرّرات هذه التوصية.

و أشار رئيس الوزراء إلى أن منطلقات عمل اللجنة جاءت "نتيجة لتراجع أداء القطاع العام، والتراجع في الخدمات وفي الثقافة المؤسّسية والإجراءات اللازمة لتكريس مبادئ الثواب والعقاب وتعزيز دور القطاع العام في خدمة المواطن".

وعن التعديلات الهيكلية على القطاع العام لعامين 2023-2024، أشار وزير التخطيط إلى أنه سيتم إلغاء وزارة العمل ونقل مهامها وأدوارها إلى الوزارات المعنية (وزارة الداخلية، والصناعة والتجارة والتموين، والتربية وتنمية الموارد البشرية)، موضحاً أنه سيجري نقل مهام تنظيم سوق العمل وبرنامج التشغيل الوطني إلى وزارة الصناعة والتجارة والتموين، كما سيجري إلغاء مؤسسة التدريب المهني ونقل مهامها الى وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية، إضافة إلى نقل مهام تنظيم العمالة الوافدة (تصاريح وتفتيش ومخالفات) إلى وزارة الداخلية، و نقل رئاسة مجلس إدارة صندوق التنمية والتشغيل ومؤسسة الضمان الاجتماعي إلى وزارة الصناعة والتجارة والتموين.[1]

 

 وزارة العمل تاريخياً

تأسست  وزارة  الشؤون الاجتماعية في عام 1951م وضمت قسماً خاصاً للعمال ليقوم بالإشراف على التنظيم النقابي، وفي عام 1960م تأسست أول دائرة للعمل تنفيذاً لأحكام قانون العمل رقم (21) لسنة 1960م حيث أضيفت تسمية العمل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وتقديراً من الحكومة للدور الكبير الذي تقوم به القوى العاملة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تم إنشاء وزارة العمل لتكون وزارة مستقلة في عام 1976م بموجب نظام رقم (40) لسنة 1976م.

وتتولى الوزارة منذ إنشائها مسؤولية تحقيق الأهداف العامة لشؤون العمل والعمال في المملكة الاردنية الهاشمية، ولمواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية تم إصدار قانون العمل رقم (8) لسنة 1996م ووضع نظام تنظيم إداري للوزارة رقم (38) لسنة 1994م وتعديلاته.[2]

 

مهام وزارة العمل بموجب التشريعات

تُعتبر وزارة العمل من الوزارات الخدمية التي تسعى إلى تقديم الخدمات للمواطنين، ومن أبرز الخدمات التي تقوم بتقديمها و المنشورة على موقعها الالكتروني، خدمات الإشراف على شؤون العمل والعمال، و المساهمة في تنظيم سوق العمل الأردني، وممارسة جميع الصلاحيات والمسؤوليات المتعلقة بتلك الشؤون والمنصوص عليها في سائر التشريعات، كما تتولى رعاية العمال الأردنيين خارج المملكة وتنمية علاقات العمل مع الدول المستقبلة لهم وتنظيم الشؤون المتعلقة بالعاملين الأجانب داخل المملكة والإشراف عليهم وتحديد شروط عملهم، وتسجيل نقابات العمال ونقابات أصحاب العمل، إضافة إلى المساهمة والمشاركة في أعمال اللجنة الثلاثية وذلك لتمكين اللجنة من القيام بالمهام والصلاحيات المنيطة بها والواردة في نظام اللجنة الثلاثية لشؤون العمل رقم (21) لسنة 2012 وقانون العمل.

وعودةً إلى قانون العمل الاردني رقم 8 لسنة 1996 لتحديد المهام الملقاه على عاتق الوزارة بشكل دقيق، فيما يتعلق بالعمال نجد أنه من مهامها تولي القيام بإجراءات التفتيش لتطبيق أحكام القانون، وقد صدر نظام خاص معمول به لتحديد مهام وصلاحيات المفتشين، كما يمارس مفتش العمل أثناء قيامه بوظيفته الصلاحيات المخولة لأفراد الضابطة العدلية بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية المعمول به، وتتولى الوزارة مهام تنظيم سوق العمل والتوجيه المهني،  فيما أتيح  لوزير العمل الترخيص بإنشاء مكاتب خاصة لتنظيم إستخدام وإستقدام العمال غير الأردنيين، ولا يجوز استخدام أي عامل غير أردني إلا بموافقة الوزير أو من يفوضه على أن تستوفي الوزارة من صاحب العمل رسماً مقابل تصريح العمل الذي تصدره لكل عامل غير أردني أو تجدده، أي أن وزارة العمل هي التي تنظم أوضاع العمال المهاجرين بشكل دقيق.

وفيما يتعلق بعقود العمل فقد اوجب القانون في حال كان العامل لا يحمل جنسية عربية أن يراعي تنظيم نسخة أخرى من العقد بلغة أجنبية معتمدة وفق تعليمات يصدرها الوزير لهذه الغاية، كما يجب أن يُنظم عقد العمل الجماعي على ثلاث نسخ أصلية على الأقل ويحتفظ كل طرف بنسخة منه وتودع النسخة الثالثة لدى الوزارة لتسجيلها في سجل خاص، كما تَشَكل في الوزارة لجنة تسمى اللجنة الثلاثية لشؤون العمل برئاسة الوزير وعضوية ممثلين عن الوزارة والعمال وأصحاب العمل بالتساوي فيما بينهم وتحدد الأحكام والاجراءات المتعلقة بكيفية تشكيل اللجنة الثلاثية وعملها ومهامها وعقد اجتماعاتها وتحديد عدد أعضائها وكيفية تعيينهم ومكافأتهم وسائر الأمور المتعلقة بهم وتتولى اللجنة الثلاثية تحديد الحد الأدنى للأجور بصورة عامة أو بالنسبة لمنطقة أو لمهنة معينة أو لفئة عمرية معينة، على أن يؤخذ بعين الاعتبار مؤشرات تكاليف المعيشة التي تصدرها الجهات الرسمية المختصة، وتُنشر قرارات اللجنة في الجريدة الرسمية.

وبموجب القانون يجب على وزير العمل أن يعيّن في منطقة معينة سلطة من ذوي الخبرة والاختصاص في شؤون العمل تسمى (سلطة الأجور) تتألف من شخص أو أكثر لتتولى النظر في الدعاوى المتعلقة بالأجور بما في ذلك النقص في الأجر المدفوع أو الحسميات غير القانونية منه أو تأخير دفعه أو أجور ساعات العمل الإضافية أو أي تمييز في الأجور عن العمل ذي القيمة المتساوية، على أن يتم الفصل فيها بصورة مستعجلة وتقوم هذه السلطة أيضا بإجراء الوساطة بناءاً على طلب العامل لحل النزاع بينه وبين صاحب العمل ويشترط في ذلك أن تجري هذه الوساطة خلال مدة ستة أشهر من تاريخ انتهاء العمل.

كما يحدد وزير العمل بموجب القانون، الاحتياطات والتدابير التي يجب اتخاذها أو توفيرها في جميع المؤسسات أو في أي منها لحماية العمال والمؤسسات من مخاطر العمل وأمراض المهنة، وفي حال خالف صاحب العمل أي حكم من أحكام قانون العمل فيجوز لوزير العمل إغلاق المؤسسة أو مكان العمل كلياً أو جزئياً إذا كان من شأن تلك المخالفة تعريض العمال للخطر.

   ومن المهام  الموكلة لوزارة العمل والوزير أيضا تسجيل النقابات العمالية ومتابعة أعمالها، وتعيين مندوب  يسمى مندوب التوفيق من موظفي الوزارة للقيام بمهمة الوساطة في تسوية النزاعات العمالية الجماعية، وذلك للمنطقة التي يحددها والمدة التي يراها مناسبة، كما تعمل الوزارة على مكافحة الاتجار بالبشر من خلال العمل المشترك بين إدارة البحث الجنائي ووزارة العمل الممثلة بعدد من المفتشين الذين يعملون في هذه الوحدة.

ولا ننسى أن وزارة العمل أيضا هي من تقوم بالتفتيش على تطبيق الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الأردن والدول التي يتم إستقدام العمال المهاجرين منها .

 

علاقة العمال المهاجرين بوزارة العمل

يشكل العمال المهاجرون ما يقارب 28% من حجم القوى العاملة في الأردن، إذ يبلغ عدد العمال المهاجرين  ما يقارب من مليون وربع عامل نظامي وغير نظامي[3] . هذا وقد بلغ عدد العمال النظاميين الذين يملكون تصاريح عمل لسنة 2021 ما يقارب 333,283 عامل مهاجر[4]، ويعملون في العديد من القطاعات منها الزراعة و البناء والتشييد والتحميل والتنزيل والعاملات في المنازل والعاملات في قطاع التجميل والعمال في المصانع وغيرها من القطاعات.

يُستقدم العامل المهاجر بموجب المادة 12 من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 و بشرط موافقة وزير العمل أو من يفوضه، ومن هنا تبدأ علاقة الترابط بين العامل/ة المهاجر/ة ووزارة العمل، وعندما يصل/تصل العامل/ة المهاجر إلى الأردن يتم تصويب أوضاعه/ا القانونية واستخراج تصريح عمل له/ا من قبل مديريات العمل الموزعة في المملكة، اذ يبلغ عدد المديريات ما يقارب 19 مديرية عمل و12 مكتب شبيه بالمديريات موزعة في كافة محافظات المملكة.

أما  نظام العاملين في المنازل وطهاتها رقم 90 لسنة 2009 وتعديلاته مثلا، نص في مادته الثالثة على أن ينظم عقد العمل وفق نموذج تعتمده الوزارة لهذه الغاية وعلى أربع نسخ مكتوبة باللغة العربية ولغة يفهمها العامل، على أن يحتفظ كل من صاحب المنزل والعامل والوزارة والمكتب بنسخة منه، وبعد توقيع العقد و البدء بالعمل، يقوم مفتشين العمل بالتفتيش على أصحاب العمل في المنشآت والمصانع والمنازل للتأكد من تطبيق أحكام قانون العمل ومعايير العمل اللائق، وفي حال واجه العامل أي انتهاك من قبل صاحب العمل من المفترض أن يقوم العامل بالتوجه إلى مديرية العمل التابع لها للابلاغ عن  هذا الانتهاك،حيث أن وزارة العمل تحديدا هي المشرفة على العمال المهاجرين في الأردن وهي من تنظم عملهم ووجودهم وعقود عملهم،  بل وتقوم أيضاً بالمراسلات مع الدول التي يتم استقدام العمال منها، وتكون المشرفة على الاتفاقيات الثنائية الدولية فيما يتعلق باستقدام العمال و تطبيق قانون العمل عليهم .

ووفقا للتقرير السنوي لوزارة العمل 2021 فإن عدد الزيارات التفتيشية التي نفذها مفتشو العمل بلغ 76,167 زيارة، أما عن إحصائيات قسم تفتيش العاملين في المنازل، فقد بلغ عدد الشكاوى التي وصل إليها ما يقارب 439 شكوى وعدد الشكاوى التي تم تسويتها 380 شكوى، أما الشكاوى العالقة خلال الفترة السابقة فقد بلغ عددها 228 شكوى، وبغض النظر عن أن هذه الأرقام لا تعكس كمية الانتهاكات التي تمارس فعلًا، كون العمال المهاجرين ليسو جميعاً متمكنين من تقديم شكوى ضد صاحب العمل، بسبب حجز حريتهم وخوفهم من أصحاب العمل أو خوفهم من التوقيف الاداري والتسفير والابعاد وعدم متابعة شكواهم في بعض الاحيان.

 

تعددت آراء العمال و موظفي القطاع العام

تقول العاملة المهاجرة فيفان وهي فلبينية الجنسية "كيف ستلغى وزارة العمل؟ أين سنذهب؟ لا تقولي لي داخلية أرجوكِ!"، نشير هنا أن معظم العمال المهاجرين يخافون من وزارة الداخلية و يربطونها بموضوع الابعاد و التوقيف الاداري.

 أما أبو أحمد وهو عامل مصري الجنسية "انا مع الغاء وزارة العمل، لم استفد منها شيء!"، العاملة ميري وهي كينية الجنسية قالت: "ماذا يعني إلغاء وزارة العمل نحن لا نملك سفارة و ايضاً ستلغى وزارة العمل؟!" ، اختلفت أراء العمال المهاجرين بين مؤيد ومعارض ومنهم من يشعر أن لا وجود لوزارة العمل فعلاً!،

تم سؤال العديد من موظفي القطاع العام وكان عددهم ما يقارب 25 موظف من وزارة الداخلية والعدل والتنمية الاجتماعية والعمل عن رأيهم في توصية إلغاء وزارة العمل، معظمهم كان  مع إلغاء الوزارة حيث برر أحد الموظفين ذلك بوجود  ترهل وفساد إداري،  و بأنه عند توزيع المهام ستكون الرقابة الداخلية أكثر شفافية، و أيّده آخر بأنها ستكون أفضل عندما تدمج الوزارات من حيث ترشيد التكاليف، وأن يكون المسؤول عن الوزارة شخص واحد، ولعدم حدوث ازدواجية قرارات بين الوزارات ايضاً، بينما كانت هنالك أراء تتمثل بالعمل على حل المشاكل التي تعاني منها وزارة العمل ودعمها بدلا من إلغاءها، و رأي آخر يقول: "إن المشاكل في داخل وزارة العمل لن تحل إلا بالغاء الوزارة !"، ورأي آخر جاء  فيه: "إن نقل المهام لوزارة الداخلية سيكون اكثر فاعلية حيث ان موظفين الداخلية يخاف منهم افراد المجتمع اكثر!"

 

هل نقول وداعاً لوزارة العمل ؟

رغم تعدد المهام الموكلة لوزارة العمل، وأهمية أن تكون هنالك وزارة مستقلة تحمي حقوق العمال، ورغم نص الدستور  في مادته الثالثة والعشرين على أن تحمي الدولة العمل وتضع له تشريعاً يقوم على مبادئ عدة منها: إعطاء العامل أجراً يتناسب مع كمية عمله وكيفيته، وتحديد ساعات العمل الأسبوعية، ومنح العمال أيام راحة أسبوعية وسنوية مدفوعة الأجر، وخضوع العامل للقواعد الصحية وغيرها من معايير العمل اللائق، ورغم المطالبات السابقة والمستمرة بربط أجور العمال المهاجرين بحساب في وزارة العمل لمراقبة حصول العمال  على أجورهم، والمطالبة بزيادة عدد المفتشين بسبب كثرة الانتهاكات التي تمارس بحقهم، خرجت علينا اللجنة بهذه التوصية، ويتوجب الإشارة هنا أن وزير العمل ليس عضو  في هذه اللجنة. إن تبعات وآثار إلغاء وزارة العمل ستكون كبيرة، حيث يتطلب هذا الإلغاء إجراء تعديلات كبيرة على قانون العمل والأنظمة والتعليمات التي صدرت بموجبه، إضافة إلى إعادة تدريب الموظفين الذين سيتعاملون مع العمال.

 وأما عن نقل جزء من المهام إلى وزارة الداخلية فله جانبين، الأول هنالك قسم موجود أساساً يسمى قسم الجنسية و الأجانب لكنه يتولى ما يتعلق بالجنسية، أما عن المحافظة سيخاف العمال حتماً من اللجوء إليها بسبب خطر التوقيف الاداري والابعاد، أما عن نقل جزء من المهام إلى وزارة الصناعة والتجارة فإن الوزارة اقتصادية و منظورها يختلف عن منظور وزارة العمل الخدماتية والحقوقية.

كما أن نقل المهام لأكثر من جهة قد يؤدي إلى تشتيت هذه المهام وضياعها، أما إن كان سبب إلغاء وزارة العمل كما جاء في التوصية هو نتيجة لتراجع أداء القطاع العام، والتراجع في الخدمات و ضرورة للاستمرار في تطوير منظومة النزاهة والشفافية والمساءلة لإزالة الازدواجية في الأدوار وتعزيز الدور التكاملي بين المؤسسات القائمة عليها، اعتقد أنه كان من الأجدر أن يتم حل المشكلة بطرق بديلة عدة من تطوير ورفع كفاءة الوزارة بدلا من إلغاءها وتوزيع موظفيها ومهامها على باقي الوزارات.