جمعت المدرسة الصيفيّة الإقليميّة الثامنة لمؤسّسة هينرش بُل 23 ناشطًا/ة يافعين/ات، و باحثين/ات، وجهات فاعلة في المجتمع المدنيّ من مختلف مدن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. عُقدت المدرسة في الرباط في المغرب، طيلة أسبوع، لمناقشة وتطوير مقاربات مستدامة لإدارة النفايات الصلبة.
أصبح التصرّف في النفايات الصلبة البلديّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحد أكبر التحدّيّات. أصبحت المدن سريعة التوسّع، مثل القاهرة والدار الْبيضاء وبيروت، تواجه كمّيّات متزايدة من النفايات. في نفس الوقت، تعاني هياكل الحوكمة ونقاط تجميع ومعالجة النفايات في العادة ضعفًا أو تستصعب التأقلم، ممّا يخلق تحدّيّات بيئيّة واجتماعيّة هائلة. أصبحت إدارة النفايات والتقليل من الآثار البيئيّة المرتبطة بها إحدى الاهتمامات المركزيّة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في ضوء ذلك، نظّمت مكاتب هينرش بُل في الرباط وتونس ورام الله وبيروت المدرسة الصيفيّة الإقليميّة الثامنة في الفترة الممتدّة من 26 يونيو/حزيران إلى 1 يوليو/تمّوز 2022 بعنوان "هدر أقلّ، إدارة أفضل: استكشاف إدارة النفايات الصلبة البلديّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". جمعت المدرسة 23 من الباحثين/ات والمحترفين/ات اليافعين/ات، وجهات فاعلة في المجتمع المدنيّ من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن ومصر وتونس والمغرب. حاكت المدرسة الصيفيّة من خلال منظور متعدّد التخصّصات، عدّة مواضيع متعلّقة بإدارة النفايات الصلبة البلديّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تعلّم المشاركون/ات المزيد عن المقاربات المستدامة لإدارة النفايات، من خلال محاضرات وتبادل التجارب بين مختلف المشاركين/ات والخبراء/الخبيرات، وجلسات العمل الجماعيّة حول الأوضاع الخاصّة بإدارة النفايات في مختلف البلدان، والتعرّف على المبادرات الملهمة وأفضل الممارسات في مجال إدارة النفايات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
المواضيع الرئيسيّة التي تمّت محاكاتها خلال المدرسة الصيفيّة كانت كما يلي:
تمّ تخصيص اليوم الأوّل للوضع الراهن لإدارة النفايات في مختلف دول المنطقة والاتّفاقيّات الدوليّة بشأن إدارة النفايات الصلبة. قام وليم مرداسي، الخبير التونسيّ في إدارة النفايات، بالإضافة إلى آخرين، بتقديم لمحة عن الأُطر الدوليّة القائمة التي تسترشد بها القوانين الوطنيّة بشأن إدارة النفايات. ثمّ ناقش المشاركون/ات حالات ملموسة من بلدانهم/نّ مثل النقل غير القانونيّ للنفايات الإيطاليّة إلى تونس، وتخلّص الاحتلال الاسرائيلي من نفاياته في الضفّة الغربيّة المحتلّة.
تمحور اليوم الثاني من المدرسة الصيفيّة حول أنماط الإنتاج والاستهلاك التي تحدّد إلى حدّ كبير كمّيّة النفايات التي ستولّدها المنازل. بحثت جلسات هذا اليوم آثار تصميم المنتَجات، واستكشفت العلاقات بين عادات المستهلكين/ات وتوليد النفايات، وقدّمت المبادئ الأساسيّة لمقاربات "صفر نفايات" (zero waste). صُلّت الضوء بشكل خاصّ على البلاستيك وآثاره السلبيّة المختلفة. وبهذا، ناقشت المجموعة الأبعاد الضارّة المختلفة للبلاستيك باستخدام "أطلس البلاستيك" الذي أصدرته مؤسّسة هينرش بُل. بالإضافة إلى ذلك، قدّم ناثان دوفور من منظّمة صفر نفايات - أوروبا (Zero Waste Europe) مداخلة حول المبادرات في المدن الأوروبيّة التي تهدف إلى الحدّ من البلاستيك أحاديّ الاستخدام.
في اليوم الثالث، ذهب جميع المشاركبن/ات في رحلة ميدانيّة إلى مطمر أمّ عزّة بالقرب من الرباط لزيارة تعاونيّة التفوّق. تعيد التعاونيّة تنظيم جامعي/ات النفايات خارج الأطر الرسميّة، الذين عملوا في السابق في ظروف صعبة، وقاموا بشكل مشترك ببناء منشئة لفصل النفايات، ويقومون حاليًّا بنجاح ببيع الموادّ الخامّ المنتقاة لشركات إعادة التدوير. وبذلك تعرّف المشاركون/ات على قضايا معالجة النفايات، والمراحل المختلفة ابتداء من إدارة النفايات الصلبة وجمعها إلى التخلّص منها، إضافة إلى خطط إعادة التدوير. اكتملت الرحلة بعد الظهيرة من خلال حوار مع رجل الأعمال اللبنانيّ جورج بيطار، الذي بنى مشروعًا تجاريًّا ناجحًا في بيروت من خلال شركته الناشئة حب، حياة، إعادة تدوير )Love Live Recycle (. بالإضافة إلى ذلك، قدّمت سكينة خلاوي، من جمعية تنمية وإعلام المرأة/تام (TAM) الفلسطينيّة، عرضًا حول الآثار الجندريّة للحرق العشوائيّ للنفايات الإلكترونيّة في فلسطين.
وخُصّص اليوم التالي لمقاربات الاقتصاد الدائريّ. أوضحت الجلسات كيفيّة هيمنة النظام الاقتصاديّ الدائريّ على سلاسل القيمة الخطّيّة، والتي تُعدّ جذر مشكلة النفايات. وعليه، فيمكن اعتبار الاقتصاد الدائريّ الأخضر حلًّا مستدامًّا لإدارة النفايات. وفي هذا الصدد، عرّف كلّ من الخبير المغربيّ والفاعل في المجتمع المدنيّ عبد الرحيم كسيري والباحثة أماني معلوف ما يمكن اعتباره نقطة انطلاق للتحرّك نحو نموذج أكثر دائريّة لممارسة الأعمال التجاريّة والتعامل مع النفايات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تناول اليوم الأخير من المدرسة الصيفيّة قضايا حوكمة النفايات في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومسألة كيفيّة جعل السياسات والعمليّات الحاليّة أكثر تشاركيّة. في حلقة النقاش التي عُقدت في هذا اليوم، عرضت مختلف المبادرات الناجحة من المغرب وتونس ولبنان ، تجاربهم الملموسة وأفضل الممارسات لتغيير أنماط الحوكمة السائدة، والسعي إلى مقاربة أكثر اعتمادًا على المجتمع المحليّ لإدارة النفايات.
كان برنامج المدرسة الصيفيّة لهذا العام تطبيقيًّا ويهدف إلى تعزيز قدرات المشاركين/ات في العمل مع المجتمعات المحلّيّة، وأيضًا مع نظرائهم/نّ في الحكم المحلّيّ. إلى جانب مداخلات الخبراء/خبيرات في تخصّصاتهم/نّ، شارك في المدرسة مختلف الفاعلين كصنّاع القرار، ومبادرات المجتمع المدنيّ، ورجال وسيدات الأعمال، إلخ. كما وفّرت المدرسة مساحة للإبداع الفكريّ المشترك. كانت المدرسة الصيفيّة فرصة للمشاركين/ات لتعزيز مهاراتهم/نّ حول كيفيّة اعتماد مقاربات شموليّة ومتداخلة التخصّصات نابعة من حوار بين مختلف الفاعلين، وتؤدّي إلى تغيير اجتماعيّ وبيئيّ فيما يتعلّق بالتصرّف في النفايات الصلبة البلديّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي الوقت نفسه، كانت المدرسة الصيفيّة فرصة فريدة للتبادل والتعرّف على التحدّيات والإنجازات المتعلّقة بإدارة النفايات في مختلف بلدان المنطقة، بهدف التواصل مع صنّاع/صانعات التغيير ذوي/ذوات التفكير المماثل من بلدان أخرى، وخلق علاقات في مساعيهم/نّ المشتركة من أجل تصرّف أفضل في النفايات الصلبة البلديّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.