بقلم نبيل حمران
للوهلة الأولى يبدو المغتربون الأردنيون بمنأى عن مخاطر الإتجار بالبشر بمختلف أشكالها، فيما طفت على السطح خلال الآونة الأخيرة مؤشرات على أنّ هذه التجارة التي تتجاوز أرباحها 150 مليار دولار سنويًا بحسب إحصائيات منظمة العمل الدولية[1]، لا تستثني أحدًا من مخاطرها.
في وقت تتزايد جرائم الإتجار بالبشر حول العالم بشكل متسارع، حتى أصبحت تؤثر على نحو 50 مليون رجل وامرأة وطفل يقعون فريسة شبكات من العمل الجبري والاستغلال الجنسي وفق تقرير"التقديرات العالمية للعبودية الحديثة"[2] الصادرعن منظمة العمل الدولية (ILO) بالتعاون مع مؤسسة وك فري (Walk Free) وبالشراكة مع المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، تغيب الأرقام عن الأردنيين الذين وقعوا ضحايا للإتجار بالبشرخارج بلادهم، بشكل شبه تام.
فقاعدة بيانات السوابق القضائية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تتضمن قضية وحيدة تتعلق بجرائم الإتجار بالأشخاص كان ضحيتها أردني.
وبحسب قاعدة البيانات، أدانت محكمة أردنية عام 2008، أردنيًا بتهمة التورط في بيع أو التنازل عن عضو مقابل نقود، وهو أمر محظور بموجب المادة 80/2 من قانون العقوبات الأردني، والمادة 4 / ج من قانون الانتفاع بأعضاء جسم الانسان لسنة 1977. وباستثناء هذه القضية التي جرت أحداثها بين الأردن ومصر، لم يكن بين ضحايا 1579 قضية جرائم إتجار بالأشخاص، تضمنتها قاعدة البيانات و نظرت فيها محاكم بـ115 بلدًا، أردنيون.
ويتكرر الأمر أيضًا في قاعدة بيانات الضحايا لجمعية مكافحة الإتجار في البيانات التعاونية (CTDC) التي أطلقت عام 2017، وتستند إلى حالات جمعتها منظمات مكافحة الإتجار حول العالم بدءًا من عام 2002. فمن بين 97,500 حالة لإتجار بالبشر في (The Global K-anonymized Dataset) خلال عشرين عامًا على جمع البيانات، لم تتضمن أي من هذه الحالات ضحايا أردنيين، بينما تضمنت 108 حالة لضحايا أجانب كانوا يقيمون في الأردن.
ويدعم هذا الشعور الزائف بالأمان أن الغالبية العظمى من المغتربين الأردنيين في الخارج، يعملون في دول الخليج العربي وهم متعلمون وذو خبرات ومهارات يحتاجها السوق هناك، أما الأردنيون غير المتعلمين فيهاجرون إلى أميركا وأوروبا.
وفي وقت لا تتوفر أرقام رسمية دقيقة عن أعداد الأردنيين المغتربين، تشير تقديرات تستند إلى تصريحات لوزير الخارجية قبل ثماني أعوام بأن عددهم يتجاوز مليون مغترب، بينما تظهر أحدث أرقام لمنظمة الهجرة الدولية، بأن العدد يقدر ب815 ألف مغترب، 63.4 بالمائة منهم ذكور، و36.6 منهم إناث.
وبحسب المنظمة فإن غالبيتهم يقيمون في دول الخليج العربي29 ب بالمائة منهم يقيمون في السعودية، و21 بالمائة في الإمارات، 7 بالمائة في الكويت.
مؤشرات تدق ناقوس الخطر
يشير تقريرالخارجية الأميركية السنوي حول الإتجار بالبشر لعام 2022 إلى أن المتاجرين يستغلون "ضحايا أردنيين في الخارج" دون تقديم تفاصيل أو بيانات مباشرة باستثناء ذكر الظروف الصعبة التي يعيشها 1,500 أردني يعملون بشكل يومي في مدينة إيلات في إسرائيل.
فيما طفت على السطح خلال الآونة الأخيرة، حالات عن بيع كلى وشكاوى عن معاملة قاسية وعدم دفع أجور لأردنيين يعملون في دول ليست من بين التي إعتاد الأردنيون الهجرة إليها.
ففي أوائل أيار 2022 اتَّهَم شابان أردنيان يعملان في أنغولا[3]، رب عملهما أنه يعاملهما بقسوة ويحتجز جواز سفرهما، ما اضطرهما للهرب ومناشدة وزارة الخارجية إلى التدخل لإعادتهما إلى الأردن.
وقبل ذلك اشتكى عمال أردنيون غالبيتهم من مدينة إربد، من أن الشركة التي أرسلتهم للعمل في المالديف[4] لم تلتزم بدفع كامل أجورهم. ويضاف إلى ذلك إعلان السلطات الكينية[5] في أيلول 2022 عن توقيف 40 أردنيًا بينهم 19 طفلًا كانوا يتسولون في مدينة مومباسا في كينيا.
فيما قضت الهيئة القضائية المختصَّة بقضايا الإتجار بالبشر في الأردن، بسجن شخص غير أردني لمدة ثلاث سنوات ونصف بعد أن اشترى كلية مواطن أردني وثبوت ارتكابه لجناية الإتجار بالبشر وفقا لأحكام القانون. مرّ الضحية في آذار عام 2022 بظروف مالية صعبة بعد إصابته بحادث سير وتسريحه من عمله، فاتّفق مع شخص تعرف عليه على أحد مواقع التواصل الاجتماعيّ على بيع كليته مقابل 12 ألف دينار أردني (17 ألف دولار أميركي)[6].
وفي قضية مشابهه، اضطّر أردني سافر إلى الخارج بحثا عن العمل، لبيع كليته بـ8 آلاف دولار تحت تهديد السلاح وتخويفه بتوريطه بتجارة المخدرات وحجز جواز سفره. إلا أنه عقب عودته الى الأردن تقدم بشكوى بحق المجرم وتمت ملاحقته وإدانته من قبل الهيئة القضائية المختصة بالنظر في قضايا الإتجار بالبشر، حيث ثبت للمحكمة ارتكاب المدان جناية الإتجار بالبشر خلافا لأحكام المادة 9/ج/3 من قانون منع الإتجار بالبشر وبدلالة المادة 1/101 من قانون العقوبات[7].
من أين يمكن أن يتسلل المتاجرون؟
تقارب هذه الحوادث يدق ناقوس الخطر، لا سيما عند الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع نسب البطالة لدى الشباب ورغبتهم العارمة في الهجرة وهما نافذتان يتسلل عبرهما المتاجرون للإيقاع بضحاياهم.
فبحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة وصل معدل البطالة في الأردن خلال الربع الأول من العام الحالي إلى (22.8) بالمائة بواقع (20.5) بالمائة بين الذكور، و(31.5) بالمائة بين الإناث[8].
صُنّف الأردن بحسب نتائج إستطلاع نشرها الباروميتر العربي في تموز 2022 ضمن أكثر الشعوب العربية تفكيرًا بالهجرة بنسبة 48 بالمائة من الأردنيين. وأرجع الغالبية العظمى من الأردنيين المستطلعة آراءهم (93 بالمائة) رغبتهم بالهجرة إلى وضع البلاد الإقتصادي الصعب[9].
إن المهاجرين في معظم مناطق العالم يشكلون أكثر من نصف ضحايا الإتجار الذين حُددت هويتهم. ورغم أن تهريب المهاجرين والإتجار بالبشر جريمتان مختلفتان، إلا أن المتاجرون في كثير من الحالات يستغلون وضع الضحايا المرتبط بالهجرة للحفاظ على سيطرتهم عليهم وإستغلالهم ومنعهم من الفرار، بحسب شبكة الأمم المتحدة المعنية بالهجرة.
وفي وقت شدد الأردن من العقوبات على جرائم الإتجار بالبشر، تزداد الحاجة يوما بعد آخر إلى تأمين فرص عمل للشباب، وتوعيتهم بإجراءات الهجرة والحصول على عمل خارج البلاد، والتوعية بآلية الإحالة الوطنية وإجراءات العمل الموحدة للتعامل مع حالات الإتجار بالبشر، حتى لا يقعوا فريسة سهلة لشبكات التهريب.
كما تزداد الحاجة إلى حماية المجني عليهم والمتضررين من جرائم الإتجار الذين وافقوا على الظهور كشهود في الإجراءات القضائية، وتعزيز التعاون الدولي في تبادل المعلومات في هذا المجال، وتفعيل دور سفارات المملكة في متابعة شؤون المغتربين وأحوالهم، بالإضافة إلى إتخاذ إجراءات تُسهّل على الضحايا الإبلاغ عن هذه الجرائم مع ضمان حمايتهم وإعادة تأهيلهم، وزيادة التعاون مع منظمات المجتمع المدني للمساعدة في إنقاذ والحد من فرصة الوقوع ضحايا لظاهرة الرق الحديث، وهي أهداف أكدت عليها الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل لمنع الإتجار بالبشر في الأردن للأعوام 2019-2022.