العمال المصريون في الأردن: المنسيون خلال جائحة كوفيد 19

Egyptian worker forced to wash in unhealthy overcrowded locations
Teaser Image Caption
عامل مصري مكره على الاغتسال في أماكن مكتظة وغير صحية.

يعرفهم كل شخص وأسرة في الأردن، ولكن الحكومة الأردنية طالما تجاهلت وجودهم. إنهم العمال المصريون. تسن السياسات دون أخذهم بعين الاعتبار، وتخضع هذه السياسات للمراجعة بعد فترة طويلة بسبب تكرار الشكاوى أو تدخل الحكومة المصرية. يعمل في جل العمارات السكنية بواب مصري. وتتكون فرق النظافة البلدية بالكامل تقريبا من عمال مصريين، وكذلك العاملون في السوبرماركت ومواقع البناء والأراضي الزراعية هم أيضا مصريون.

في نهاية العام 2019، بلغ عدد المواطنين المصريين الذين يحملون إذن عمل في الأردن 223 ألف عامل، وفق ما وردنا من محمد الخطيب، الناطق باسم وزارة العمل الأردنية. ولكن معظم الخبراء يرون أن إجمالي عدد العمال المصريين يبلغ قرابة ثلاثة أضعاف هذا الرقم. "لئن بلغ عدد العمال المسجلين ممن لديهم تصريح عمل نحو 200 ألف عامل، إلا أن العدد الفعلي للعمال المصريين المهاجرين، بمن فيهم العاملين في القطاع غير النظامي، يتراوح بين 700 و800 ألف"، كما صرح أحمد عوض، مدير مركز فينيكس للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، ومقره عمان.

يعود ارتفاع عدد العمال في القطاع غير النظامي إلى سهولة الوصول إلى الأردن. يسافر العمال المصريين من جمهورية مصر العربية القريبة من المملكة الأردنية باستخدام القوارب التي تقطع الطريق يوميا من مدينة نويبع على البحر الأحمر إلى ميناء العقبة الأردني. مصر الدولة العربية ذات العدد الأكبر من السكان، وتشكل قوة عسكرية فضلا عن مكانتها في مجال الموسيقى والثقافة. وهي مقر الجامعة العربية، التي يعد الأردن عضوا فيها.

يسمح للمواطنين المصريين السفر إلى الأردن بدون تأشيرة. ويدخل كثير منهم المملكة بفيزا سياحية، ويقيمون في المملكة بعد انقضاء الثلاثة شهور المسموح بها على هذه الفيزا. رغم أن إقامة المصريين غير محددة بموجب قوانين الإقامة، حيث يحق لهم الإقامة في الأردن متى شاءوا ولأي مدة كانت شريطة الإبلاغ عن عنوان سكنهم، إلا أن العمال المصريين يخضعون للرقابة الأمنية. تشن الحكومة الأردنية حملات ضد العمال غير المرخصين ولكن هذه الحملات بالعادة تسعى لتحييد الرأي العام الداخلي وغالبا ما تتوقف بعد تدخل الشقيقة الكبرى، الحكومة المصرية.

شكل العمال المهاجرون المصريون نسبة 68 بالمائة من القوة العاملة المهاجرة في الأردن بحسب دراسة صدرت في العام 2011 عن مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ولكن منظمة العمل الدولية تشير إلى أن عدد العمال المصريين يبلغ ثلث العمالة المهاجرة.

شأنهم شأن غالبية العمالة المهاجرة، فإن العمال المصريين لا يصلون إلى الأردن مع عائلاتهم. بينت دراسة لمنظمة العمل الدولية عن وضع العمالة المهاجرة في الأردن، أعدتها سوزان رزاز، أن معظم العمال المهاجرين يصلون إلى الأردن بدون عائلاتهم ويبقون لفترة محددة من الوقت. نجد مثلا أن 97 بالمائة من العمال المصريين في الأردن بدون عائلاتهم. صحيح أن بعض العمال المهاجرين يعيشون في الأردن منذ سنوات طويلة، إلا أن معدل تبدل العمال مرتفع للغاية.

وقد تعرض العمال المصريون في الأردن لصدمة كبيرة مع تفشي جائحة الكورونا في الأردن والعالم. اتخذت الحكومة الأردنية إجراءات سريعة ومنذ بداية الوباء أغلقت كافة حدود المملكة في 17 آذار. ثم فرضت إغلاقا صارما على أرجاء البلاد. ثم فرضت منع تجول أناء النهار والليل لأربعة أيام متواصلة في 21 آذار، وجددته في عطل نهاية الأسبوع. وفي باقي أيام الأسبوع فرضت منع التجول من المغرب وحتى الفجر. أغلقت المؤسسات العامة والخاصة، وتوقفت حركة المواصلات العامة، وقيدت الحركة بالسيارات والشاحنات الخاصة، حيث لم يسمح بالتجول سوى للأطباء والعربات التي تقدم الخدمات الأساسية وتنقل الدواء وإمدادات الطعام.

نظرا لأن الإغلاق بدأ خلال الجزء الأخير من الشهر، بات العمال المصريون بلا مال على الإطلاق. في الأوقات الطبيعية، يرسلون معظم ما يكسبونه لديارهم ويحتفظون بجزء يسير من أجرتهم. في نهاية آذار، ولكنهم أضحوا بلا مال، كما لم يتمكن العديد من مشغليهم من دفع أجورهم في نهاية كل شهر. أغلقت المصارف ومكاتب الصرافة والمحاكم، وحتى العمال الذين فضلوا العودة إلى المصر، باتوا عالقين في الأردن، غير قادرين على السفر وبدون مال يقتاتون منه.

يطلعنا أحمد عوض أن النسبة الأكبر من العمال المهاجرين في الأردن يعملون في القطاع غير النظامي بدون تصاريح عمل، ويعتمدون على الأجرة اليومية من عملهم في الزراعة والبناء والمصانع والمحلات الصغيرة والخدمة في المنازل. ويخبرنا أحمد أنه "بسبب الإغلاق ومنع التجول لم يتمكنوا من الوصول لأعمالهم ولا يمكنهم الحصول على مساعدة من الحكومة أو حتى العودة إلى مصر."

 

Egyptian worker forced to cook in unhealthy overcrowded locations
Egyptian worker forced to cook in unhealthy overcrowded locations

همام عسيس، صحفي يعمل في مؤسسة صحافيون من أجل حقوق الإنسان، زار مسكنا لعمال مصريين تكوم فيه ستة عمال في ظروف غير صحية في حي هاشم شمال في عمان. وكتب أن هؤلاء العمال مضطرون لطهو طعامهم في الممر لعدم وجود مطبخ في السكن، ويغسلون ثيابهم القذرة باليد. ويحدثنا الصحفي عن زهير (42 سنة): "زهير، 42 سنة، يعمل في قطاع الإنشاءات منذ 15 عاما ولكنه علق بدون أجرة لأكثر من شهر". يتحدث زهير لموقع (عمان نت الإخباريAmmannet.net ) عن رغبته في العودة إلى بلده ولكنه لا يستطيع. "لو فتحت الحدود، فسوف أعود. أفضل أن أقضي 14 يوما في الحجر الصحي في مصر على أن أبقى محشورا في هذه الغرفة الصغيرة."

تحركت الحكومة الأردنية سريعا لتلبي احتياجات معظم مواطنيها ولكن العمال المهاجرين لم يشكلوا جزءا من أولوياتها الأساسية. تقول ليندا كلاش، محامية ومديرة مؤسسة مساعدة المهاجرين، إن الأردن وقع على عدد من المعاهدات الدولية والإقليمية التي تضمن حقوقا متساوية للعمال المهاجرين إسوة بمواطني البلد. بحسب منظمة العمل العربية، لا تقدم معظم الدول العربية بدلات بطالة. بدءا من العام 2019، 5 بالمائة فقط من العاطلين عن العمل في العالم العربي كانوا يتلقون بدلات بطالة، وذلك بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية. في الأردن، يمكن الحصول على بدلات للمسجلين في مؤسسة الضمان الاجتماعي.

سجل بعض العمال المصريين لدى الضمان الاجتماعي، ولكن الغالبية العظمى غير مسجلة، ما يجعلهم منكشفين ماليا وغير قادرين على التعايش مع هذا الوضع.

هذا وشكلت المواصلات أحد أهم المشاكل التي عانى منها المصريون، حيث باستثناء البوابين المقيمين في تسوية المباني التي يحرسونها، فإن الغالبية العظمى مضطرة للتنقل للتوجه للعمل. في اليوم الأول من الجائحة، اشتكى المصريون لأن مشغليهم أرغموهم على المبيت في موقع العمل غير الملائم للنوم. بعضهم عاد لبيته ليضطر للمشي لأميال طويلة ليصل إلى عمله، هذا إذا كان مكان العمل مفتوحا. وحصل بعض الأردنيون على تصاريح خاصة للتنقل، استغلوها لتشغيل نظام مواصلات غير منظم وتقاضوا مبالغ هائلة لقاء التنقل فيه.

لا تنتشر الشركات الكبرى في الأردن، الذي يعتمد اقتصاده أساسا على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وعلى السياحة. وقد تضررت هذا القطاعات بشدة بسبب الإجراءات المفروضة لمواجهة الوباء.

وفرضت حالة منع التجول تحديات على قطاع العمل غير النظامي والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي يعتمد عليها اقتصاد الأردن. يعمل أكثر من 52 بالمائة من القوة العاملة في القطاع غير النظامي، بينما تشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة نحو 95 بالمائة من شركات القطاع الخاص، وتسهم بقرابة 40 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي. لن يتوفر نقد كاف لدى الغالبية العظمى من هذه الشركات والعمال، وهذا يقوض قدرتهم على الصمود وتسديد الفواتير والالتزامات. قد تضطر المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتسريح بعض عمالها للحد من التكاليف. كما أن عمال المياومة في قطاعات الإنشاءات والزراعة، وهم غالبا أجانب غير مؤهلين للحصول على الخدمات الاجتماعية، سوف يخسرون مصدر رزقهم وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية.

للحديث عن هذه المنشآت والقطاع غير النظامي، اقتبس معهد الشرق الأوسط عن د. أليسون هارتنيت، وهي مختصة بالاقتصاد السياسي وباحثة بالشأن الأردني في جامعة يايل، حيث أشارت لحجم الشركات الأردنية وقدراتها: "معظم الشركات الأردنية منشآت متناهية بالصغر أو صغيرة، ناهيك عن ارتفاع نسبة الشركات في القطاع غير النظامي، وهذا يعني أن أصحاب تلك الشركات لا يمكنهم الحصول على دعم كبير من الحكومة، إما بسبب عدم تسجيلهم في القطاع النظامي، أو بسبب صغر حجم المنشأة واحتمالية نقص الإيراد لديهم لفترة طويلة."

أما قطاع السياحة فقد عانى الأمرين بسبب الإغلاق، حتى مع التوقعات بأن يحقق الأردن دخلا جيدا من هذا القطاع الذي يدر نقدا أجنبيا على البلاد. توقفت كافة النشاطات السياحية، بعد أن كان القطاع قد نشط وترعرع خلال السنوات الماضية، وزاد من إنفاقه بنسبة 10 بالمائة في العام الفائت وحده. شكلت السياحة 12.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في العام 2018، واستخدمت 42 ألف عامل بشكل مباشر و130 ألف عامل بشكل غير مباشر، فضلا عن إسهامها في احتياطي الأردن من النقد الأجنبي. تحدث جواد عباسي، محلل اقتصادي أردني، مع ليث العجلوني الذي أعد تقريرا لمعهد الشرق الأوسط، وأخبره أن معظم نفقات السياحة في البلد، والتي بلغت 4 مليارات دينار (5.6 مليار دولار) في العام 2019 كانت بعملة أجنبية.

بعد ستة أسابيع من فرض الإغلاق، ومع تدني أعداد الإصابة بالفيروس، بدأت الحكومة الأردنية تخفيف القيود، وسمحت لبعض الشركات بفتح أبوابها مع مراعاة قيود صحية صارمة. سمح للمصارف ومكاتب الصرافة معاودة عملها، ما مكن العمال المصريين من التوجه لعائلاتهم بطلب صعب، تحويل المال لهم بدلا من العكس. المفارقة أنه مع عودة فرص العمل أعلنت الحكومة الأردنية أنها سوف تنظر بشأن السماح للعمال المهاجرين بالعودة لديارهم إن رغبوا في ذلك. ووافقت الحكومة الأردنية على إلغاء كافة الغرامات المرتبطة بالعمالة والرسوم لقاء العمال المغتربين الراغبين في العودة إلى بلادهم، كما أفادت مصادر الإعلام الأردنية. ودعا وزير العمل الأردني، نضال بتاينة، العمال المهاجرين للتقدم بطلبات عبر موقع حماية (hemayah.jo)، وهو منصة إلكترونية لتنسيق إعادتهم إلى بلادهم خلال الجائحة. وحدد آخر موعد لاستلام الطلبات ب 4 أيار. وأضاف بتاينة أن كافة المخالفات والرسوم المرتبطة بتصاريح العمل قد ألغيت، حتى تلك الصادرة بحق العمال المهاجرين غير الشرعيين في البلاد.