منى دجاني
سبب ذهابي إلى مؤتمر المناخ في الدوحة (COP18)
December 4, 2012
قبل عشرين عامًا، كانت قضايا البيئة تحتلّ الصدارة، حيث اجتمعت حكومات الدول الصناعية والدول النامية، إلى جانب المؤسسات غير الحكومية والمجتمع المدنيّ، اجتمعت لمناقشة مستقبل كوكبنا في مدينة ريو دي جانيرو. هناك، في "قمّة الأرض" كما سُمي المؤتمر، وُضِعَ التعريف الرسمي لمفهوم التنمية المستدامة، وذلك لحثّ الدول على وقف أنماط النموّ الاقتصادي غير المستدامة والعمل معًا على خفض أثر الانسان على البيئة والمصادر الطبيعية. انبثقت عن قمّة الأرض في 1992 عدّة اتفاقيات بيئية، إحداها هي "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ" (UNFCCC)، وهي اتفاقية دولية تهدف إلى تثبيت تركيزات غازات الدفيئة في الجو على المستوى الذي بإمكانه منع التدخّل في الأنظمة البيئية. وفي كلّ عام، يُعقد مؤتمر الشركاء (Conference of Parties (COP)) لتقييم تقدّم الدول في مكافحة التغيّر المناخي، وللتفاوض بشأن برتوكول كيوتو وهو اتفاقية غير ملزمة، وأيضًا بشأن كيفية التوصّل إلى اتفاقية ملزمة، تلتزم الدول من خلالها بتخفيض انبعاثاتها من غازات الدفيئة.
في هذا العام، يُعقد مؤتمر الشركاء الثامن عشر (والمعروف بـ COP18) في قطر، في لحظة هامّة جدًا بالنسبة إلى المفاوضات. أولًا، ينعقد المؤتمر في دولة من دول الخليج هي الأعلى على مستوى العالم من حيث الانبعاثات، حيث تصل إلى 55.4 طنًّا من ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد. للمقارنة: هذا يساوي ثلاث مرّات أكثر من الولايات المتحدّة. أمّا دول الخليج الأخرى فليست أفضل حالًا، فانبعاثاتها الكربونية تضاعفت في العشرين سنة المنصرمة. إنّ انعقاد المؤتمر في قطر يضعها تحت ضغط هائل كي تعد بتخفيض جدّي لأثرها على البيئة. لكنّه أيضًا يشكّل فرصة لأخذ دور قيادي في مفاوضات التغيّر المناخي. فقطر عضو في منظّمة الدول المصدّرة للنفط، المعيق غير الشهير والمانع لأي تحوّل في استخدام أنواع الوقود الأحفوري الملوِّثة. لكن وبالرّغم من ذلك، فإنّ لدى قطر مصادرَ هائلةً من الغاز الطبيعي التي يمكنها أن تساهم في نموّها الاقتصادي، والذي يُعَدُّ الأنظف من بين أنواع الوقود الأحفوري جميعها، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية التي لم تُمس بعد. فعلى قطر أن تثبت الكثير أثناء COP18 بما لها من خطط بيئية واستدامية طموحة؛ فجميع عيون العالم تتطلع إلى نتائج هذه المفاوضات.
ثانيًا، إنّ المفوضات البيئية الآن في نقطة حاسمة. فبروتوكول كيوتو قيد التعديل ليشمل فترة الالتزام الثانية، وهي الفترة التي سيتمّ فيها ضمان أنّ التخفيضات المرجوّة سيتمّ تكميمها من قبل الدول التي صادقت على البروتوكول. فمن أجل نجاح المفاوضات، على الأطراف التوصّل إلى اتفاقية عادلة ملزمة قبل 2015. سيقلب مؤتمر الدوحة التحالفات، وستكشف قراراته عمّا إذا كان العالم سيصل إلى السقف الأعلى العالمي للانبعاثات قبل 2020.
ثالثًا، لقد فتح التقلقل السياسي الذي يجتاح العالم العربي نافذة للتغيّر الاجتماعي، ولمشاركة الشباب، وللنشاط السياسي. يستضيف مؤتمر COP18 العديد من الوفود الشبابية بما فيها "حركة شباب العالم العربي للمناخ" وهي مجموعة من البيئيين العرب الناشطين في مجال التغيّر المناخي، والذين يأخذون دورًا في المفاوضات ويحيون النشاطات والفعاليات الجانبية في محاولة للتأثير على موقف الحكومات العربية أثناء عمليات التفاوض وما بعدها. فالعالم العربي لم يضع بعد التغيّر المناخي على أجندته السياسية، بالرّغم من أنّ تهديدات التغيّر المناخي باتت من الظواهر متكررة الحدوث: الجفاف، انخفاض مناسيب مياه الأمطار، والفيضانات التي تؤثّر مباشرة على معظم الدول العربية. وعليه، يعزّز الكثير من الشباب الناشطين مطالبتهم لحكوماتهم لتقديم استراتيجيات تأقلم لمكافحة والحدّ من تأثيرات التغيّر المناخي.
أين فلسطين والعالم العربي من التغيّر المناخي؟
استنادًا إلى عدّة دراسات، فإنّ حصّة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من الانبعاثات الكربونية هي الأخفض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تُقدّر بـ 0.6 طنًّا للشخص الواحد في العام. لكنّ هذا غير مفاجئ، ولا مطمئن أيضًا. فنموّ الاقتصاد الفلسطيني محدود نتيجة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، تمامًا كما هو محدودٌ جدًا تطوير قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة؛ الأمر الذي يشكّل تحدّيًا كبيرًا لتطوير مصادر بديلة لإنتاج الطاقة وللترويج للاستقلال في مجال الطاقة والنموّ الاقتصادي المستدام. فاليوم، ليس لفلسطين مكانٌ في المفاوضات، حيث إنّ مشاركتها في فعاليات "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ" تأتي بصفتها مراقبًا. إنّ الاضطرابات السياسية الحالية الحاصلة في العالم العربي يُؤمَل لها أن تبدّل موقف الحكومات العربية من كونها معيقًا أو متفرّجًا إلى أدوار أكثر تقدّمية وجازمة من شأنها أن تؤثّر على المنطقة ككل، بما في ذلك فلسطين.
إنّ الدول العربية اليوم تحسّ بالأثر الكبير للتغيّر المناخي، ما يجعل أسلوب "العمل كالمعتاد" أسلوبًا هدّامًا على المديين القصير والطويل. فلا بدّ من ممارسة ضغوط أكبر على الحكومات العربية من أجل تطوير خطط تأقلم وطنية، وتطوير استراتيجيات إقليمية لخفض الانبعاثات من خلال الاستثمار في الطاقة المتجدّدة، وتعزيز البناء المؤسساتي، ورفع الكفاءة في مجال الطاقة. لقد آن الأوان للمجتمع المدنيّ العربيّ وللناشطين وللمفاوضين، لانتهاز فرصة تزايد الاهتمام العالمي بمنطقتنا، والدفع باتّجاه سياسات وأجندات تتعلّق بالتغيّر المناخي تكون ذات تأثير إيجابي.
إنّي ذاهبة إلى COP18 لأشهد بنفسي المفاوضات الدائرة، والتي تحصل كلّ عام للتوصّل إلى اتفاقية عادلة وملزمة تضمن أنّ الحراك من أجل المناخ سيحقّق الحدّ من ارتفاع الحرارة العالمي. إنّ التوتر في قطر يزداد مع بدء وصول الوفود المختلفة، والمفاوضات ستبدأ قريبًا في الأيام القادمة. كوني من المساهمين في هذه المفاوضات، فهذه فرصة فريدة لأكون جزءًا من اتخاذ القرارات التي ستشكّل مستقبل العديد من الدول، خاصةً تلك الدول الأقل تقدمًا والأكثر هشاشة، والتي تواجه الكمّ الأكبر من تأثيرات التغيّر المناخي. ففي حين أنّ القرارات في هكذا مؤتمرات تأخذها الحكومات، إلا أنّ مجتمعات الدول والأقاليم الهشّة هي التي تدفع الثمن. إنّ دور المجتمع المدنيّ والمؤسسات غير الحكومية والناشطين هو أن يوفّروا منبرًا وصوتًأ لهؤلاء "الصامتين" في العديد من المناطق. إنّ لمشاركتهم في هكذا فعاليات أهمّية قصوى من أجل وضع ضغوط على الحكومات، وتذكيرهم أنّ الناس عبر العالم هم من يدفعون ثمن عجز الحكومات عن التوصّل إلى اتفاقية ملزمة تباشر في اتّخاذ خطوات عمليّة لوقف التغيّر المناخي في مناطقهم.
أخيرًا، إنّ بناء الخبرات في مجال الدعم والمناصرة والحملات إنّما هو تعزيزٌ لمهارات يحتاجها الناشطون الشباب العرب من أجل التأثير، ليس فقط في المفاوضات المناخية، ولكن أيضًا في المفاوضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحاصلة في بلدانهم. إنّ المشاركة في مثل هذه المفاوضات الدولية ستساعدنا حتمًا على فهم ديناميكيات المحادثات، وتعقيدات الوصول إلى اتفاقيات، والتحدّيات التي يواجها العالم مجتمعًا في سبيل لجم أكبر تهديدات عصرنا.