التراث الثقافيّ والحرف التقليديّة

   

  تراث فلسطين الحرفي غني بالتاريخ، وقد تأثر بالثقافات والحضارات التي مرت بهذه الأرض منذ العصور القديمة.  يزين التطريز، وهو الحرفة الأكثر شهرة والتي تكاد تكون مرادفة للهوية الثقافية الفلسطينية، فساتين النساء بأسلوب مختلف من منطقة إلى أخرى عبر فلسطين التاريخية.  عملت النساء البدويات في مناطق النقب ووادي الأردن وطبرية على نسج صوف الأغنام والماعز وصوف الإبل لصنع خيام وسجاد وزخارف.  في القرى الزراعية في الشمال، صنع  الفلاحون (مزارعون/ فلاحون) سلالاً وصواني  من القش (سيقان سنابل القمح) وأغصان الزيتون من محيطهم.  في حين أن الهدف من صنع النساء للعديد من المصنوعات اليدوية كان في الأساس للاستخدام الشخصي، فقد كانت هناك أيضا صناعة حرفية مزدهرة في مدن فلسطين القديمة، من النفخ في الزجاج في الخليل إلى إنتاج لصابون النابلسي من زيت الزيتون في نابلس.  في مجدل الساحلية، المدينة التي كانت تتباهى ذات يوم بأكثر من خمسمائة مغزل نسيج، نسج الحرفيون القطن المجدلاوي، المصبوغ باللون النيلي لصناعة الملابس. في بيت لحم، نُحتت القطع الأثرية الدينية والهدايا التذكارية للحجاج من خشب الزيتون المحلي على مر القرون. 

   تعيش هذه الحرف التراثية في فلسطين اليوم بأشكال حديثة، مع تكييف التصاميم والأساليب التقليدية في إنتاج الحرف اليدوية المعاصرة. في حين تستمر الشركات العائلية التي عملت في مجالها لأجيال كثيرة، في تقديم تخصصاتها بأغلبها إلى سوق السياحة في هذه الأيام، أصبح إنتاج الحرف اليدوية برنامجا شعبيا لتوليد الدخل في المبادرات المجتمعية التي تعمل على تلبية الاحتياجات الاقتصادية في المجتمع المحلي.  نشأت العديد من هذه المشاريع استجابة للاضطراب الذي ألم بفلسطين: النكبة (إنشاء دولة إسرائيل ونزع الملكية الجماعية للمجتمعات الفلسطينية في عام 1948) ، النكسة (احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967) ، وانتفاضتين  ( الانتفاضتين الفلسطينيتين في 1987-1993 و 2000-2004).

   يُعد إنتاج الحرف اليدوية أحد مصادر الرزق القليلة المتاحة للنساء ذوات الموارد المحدودة: النساء اللواتي تركن الدراسة في سن مبكرة، أو اللواتي تزوجن في سن مبكرة، أو اللواتي تفتقرن إلى مهارات تؤهلهن للتوظيف، أو أولئك اللواتي يعشن في المناطق النائية. تدير مجموعات المنتجين في مخيمات وقرى اللاجئين ورش عمل تمكن للنساء من العمل في الخياطة أو صنع اللباد أو الفخار أو المجوهرات أو فحص وفرز الحرير أو النسيج أو توزيع أعمال التطريز التي يمكن للأمهات العمل عليها من المنزل ما بين مسؤوليات الأسرة.  تشتمل مجموعات المنتجين أيضا على مراكز للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يتم توفير فرصة لذوي الاحتياجات الخاصة لتعلم المهارات وكسب الدخل.

   تعمل مجموعات المنتجين في الضفة الغربية وقطاع غزة بالرغم من العديد التحديات في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي يعيق الأنشطة الاقتصادية وتطور المجتمع الفلسطيني.  في ظل شبكة القيود المشددة المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع، يصبح وصول المنتجين إلى مدينة القدس بالغ الصعوبة، والقدس هي الوجهة السياحية وسوق الحرف اليدوية الرئيسية.  وينبغي أن نذكر هنا أن توافر المواد الخام وأدوات ومعدات صنع الحرف اليدوية محدود، لا سيما في قطاع غزة المحاصر.  تعمل منظمات التجارة العادلة مثل مؤسسة سنبلة، على دعم مجموعات المنتجات من خلال تسهيل الوصول إلى الأسواق وشراء المواد.

   لقد أثر إنتاج الحرف اليدوية على حياة النساء عبر الأجيال.  من خلال اكتساب المهارات وكسب المال، تحررت الكثيرات من الاعتماد المالي الكامل على أزواجهن. وبعضهن كانت أول امرأة في محيطها تحصل على رخصة قيادة أو تتعلم المحاسبة.  تغطي طالبات الجامعة مصاريفهن من خلال عملهن في التطريز، في حين أن بعض الأمهات أوصلن بناتهن للتعليم العالي الذي لم يتوفر لهن.  يُمكّن إنتاج الحرف اليدوية أيضا الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة الفعالة في المجتمع.

   تحملت الحرف التقليدية تقلبات القرن الماضي في فلسطين . وهي تواجه اليوم تهديد التحديث كما هو حال التراث التقليدي في جميع أنحاء العالم: شيخوخة الحرفيين المهرة، والخسارة التدريجية للمعرفة والمواد المحلية التي تتراكم مع الزمن، وندرة جيل الشباب الذي يدخل هذا النوع من التجارة. ومع ذلك، فإن الأمل في التنشيط موجود في الجيل الجديد من المصممين والفنانين الذين يعملون على دمج التقاليد في إبداعهم، وفيما يحمله الفلسطينيون من حب وعاطفة وفخر  غير منقطع لهويتهم الثقافية ولتراثهم.