مفاهيم وتعريفات

   سنقدّم هنا بعض التعريفات والمفاهيم والمصطلحات ذات الصلة بدليلنا. نظرًا لاستخدام هذه المفاهيم بكثرة في الدراسات والسياسات وحتّى في وسائل الإعلام، فإنّ هدفنا هو توضيح الاختلافات بينها. ويسمح لنا هذا، كمستهلكين/ات ومنتِجين/ات على حدّ سواء، بالتفكير في كيفيّة كون بعض هذه المفاهيم ذات فائدة لهدفنا الجماعيّ المتمثّل في تحقيق الاكتفاء الذاتيّ والاستقلال في الموارد؛ بينما يُضعف بعضها الآخر مثل هذه الجهود، ويجعلنا نعتمد على أنظمة الإنتاج والاستهلاك غير العادلة والمسيطرة.

السيادة الغذائيّة مقابل الأمن الغذائيّ

   طبقًا لآخر تقدير لمكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة، فإنّ 1.6 مليون فلسطينيّ يعانون من انعدام الأمن الغذائيّ. تعرّف مفوّضية الأمم المتّحدة الأمن الغذائيّ كوسيلة "لضمان توافر الغذاء الكافي بأسعار معقولة في جميع الأوقات. وعاوة على ذلك، فإنّ مفهوم الأمن الغذائيّ يعني" إمكانيّة جميع الناس، في جميع الأوقات، للوصول الماديّ والاقتصاديّ إلى الغذاء الكافي والآمن لتلبية احتياجاتهم الغذائيّة وتفضيلاتهم الغذائيّة من أجل أسلوب حياة نشط وصحّيّ" [1]. لذلك يركّز الأمن الغذائيّ على القدرة على الوصول إلى الطعام. ولكن من أين يأتي هذا الطعام؟ من يزرعه؟ وهل هذا الإنتاج محلّيّ، أم تمّ استيراده من على بعد آلاف الأميال؟ هل يحقّ للمزارعين/ات الوصول إلى الموارد المضمونة؟ وغني عن القول، إنّ الأمن الغذائيّ يتبع الاقتصاد القائم على الاستهلاك والنهج النيوليبراليّ لتوفير حلول لأزمة الغذاء على الصعيد العالميّ. يختلف مفهوم السيادة الغذائيّة عن مفهوم الأمن الغذائيّ الذي يحرّكه السوق. توضّح لا فيا كامبيسينا La Via Campesina، وهي حركة فلّحيّة دوليّة، كيف تعمل السيادة الغذائيّة كمفهوم شامل للجميع:

" إّنه حقّ الشعوب في غذاء صحّيّ ملائم ثقافيًّا، يتمّ إنتاجه من خال طرق سليمة ومستدامة من الناحية البيئيّة، وحقّهم في تحديد نظمهم الغذائيّة والزراعيّة. فهو يضع تطلّعات واحتياجات الذين ينتجون الغذاء ويوّزعونه ويستهلكونه في صميم النظم الغذائيّة والسياسات بدلً من مطالب الأسواق والشركات. إّنه يدافع عن مصالح وحقوق الجيل القادم. فهو يوفّر استراتيجيّة لمقاومة وتفكيك نظام التجارة والغذاء الحاليّ للشركات، وإرشادات نظم الغذاء والزراعة والرعويّة ومصايد الأسماك التي يحدّدها المنتِجون المحلّيّون والمستخدمون المحلّيّون".

   من الواضح أنّ مبادئ السيادة الغذائيّة تتماشى بشكل وثيق مع مبادئ المزارعين/ات والمنتِجين/ات الفلسطينيّين/ات، ومع مبادئ أيّ فرد يفهم الجشع العالميّ غير المستدام والمدمّر لدى الشركات متعدّدة الجنسيّات والاقتصاد المدفوع بالسوق والتهديد الذي تشكّله أمام الإنتاج الزراعيّ وسبل العيش المحلّيّة والمنتِجين/ات الصغار.

   يوضّح كلّ من الباحث الفلسطينيّ أُبي عابودي[2]  والخبير البيئيّ جورج كرزم[3]، في كتاباتهما حول السيادة على الغذاء في فلسطين، المنظور الفلسطينيّ للسيادة على الغذاء، حيث يُنظر إلى الاحتلال الإسرائيليّ على أّنه التهديد الأكبر للسيادة الغذائيّة، ويمنع الفلسطينيّين/ات من المطالبة بحقوقهم/نّ على أراضيهم/نّ ومواردهم/نّ. يعتبر احترام قرارات المزارعين/ات وخياراتهم/نّ الزراعيّة أمرًا ضروريًّا، حيث تعمل السيادة الغذائيّة على تعزيز الإنتاج للسوق المحلّيّ، وضمان توفير منتَجات عالية الجودة كعوامل أولويّة لجميع الفلسطينيّين/ات. ووفقًا للكاتبين، فإنّ السيادة على الغذاء هي مفهوم تحرّريّ يهدف إلى تحرير القطاع الزراعيّ من قيود الاستعمار، والعمل بشكل جماعيّ من أجل تحرير الأرض والشعب.

التجارة العادلة

   يتمّ إنتاج وتعليب وتسويق الكثير من المنتجات المحلّيّة الفلسطينيّة وفقًا لمعايير التجارة الدوليّة العادلة. وهو ما يتيح للمنتِجين/ات المحلّيّين كسب المزيد من المال في نفس الوقت الذي يتمّ فيه الحفاظ على معايير بيئيّة وصحّيّة معيّنة. تركّز التجارة العادلة على السلع التي لها سوق في الغرب. في فلسطين، كان زيت الزيتون هو المنتج الأكثر قابلية للتصدير، لكنّ الصادرات تحت العلامة التجاريّة العادلة قد توسّعت الآن لتشمل العديد من المنتَجات المحلّيّة مثل الأعشاب المجفّفة، والصابون، والمنحوتات الخشبيّة، والقهوة، والبهارات، وما إلى ذلك. لقد استثمر العديد من الشركات الفلسطينيّة في سوق الموادّ الغذائيّة في الترويج لأنفسهم كمصدّرين للتجارة العادلة، وهذا الاتّجاه آخذ في الازدياد في القطاع الخاصّ الفلسطينيّ، وخصوصًا في مجال الأغذية والحرف اليدويّة. مع الأسف، ونظرًا للارتفاع المستمرّ في المشروعات التي يموّلها المانحون والتي تستثمر في المحاصيل عالية الربح والنقدية، فإنّ هذه المنتَجات تحلّ محلّ المنتَجات التقليديّة الموسميّة الخالية من الموادّ الكيميائيّة التي كانت تزرع من قبل.

   وتُعتبر أحكام وشروط شهادة التجارة العادلة غير ضاّرة في جوهرها، إذ أّنها توفّر بدياً تقدميًّا للإنتاج بكثافة وتلتزم بضمان حصول المنتِجين/ات على نصيبهم/نّ العادل من الأرباح من منتَجاتهم/نّ. إلّا أنّ العمل والإنتاج لأجل نظام رأسماليّ يأتي بنتائج عكسيّة، خصوصًا في السياق الفلسطينيّ، حيث تتمّ محاصرة الأراضي والمياه والاستيلاء عليها بالكامل ونزع سيطرة وملكيّة الشعب عنها في ظل نظام الاستعمار الاستيطانيّ. في السياق الفلسطينيّ، يخلق نظام التجارة العادلة عقليّة توحيد مقاييس تعمد إلى رفض العديد من المنتَجات البلديّة )المحلّيّة( التي لا ترقى إلى مستوى الامتثال للمعايير الدوليّة لأسباب مختلفة. وهذا أمر مقلق، إذ يتركّز اهتمام المزارعين/ات حول الامتثال لهذه اللوائح بدلً من الحفاظ على نظام بيئيّ متوازن وحمايته واستمرار استخدام طرق الزراعة التقليديّة والبذور الأصليّة. والأكثر من ذلك، فإّنه يلبّي احتياجات السوق الدوليّ، وخصوصًا الأوروبيّة والأمريكيّة، عن طريق تشجيع المنتَجات عالية الجودة بهدف التصدير، ممّا يترك للفلسطينيّين/ات منتجات مستوردة رخيصة ومنخفضة الجودة

المنتجات البلديّة

  حين نسمع أنّ منتَجًا ما هو منتَج بلديّ فلذلك وقع موسيقيّ على آذاننا. وهذا يعني أنّ المنتَج محلّيّ، ومصنوع من مصادر محلّيّة )سواء الجبن أو البيض أو الخبز أو الفواكه أو الخضار). ويضمن ذلك أن يكون المنتَج طازجًا ومحلّيًّا بقدر المستطاع وأّنه يتمّ إنتاجه بالطريقة التقليديّة التي تعني عادة عدم استخدام أيّ موادّ كيميائيّة، وأّنه يتمّ تحضيره ببطء وبذوق غنيّ ومميّز.

المنتجات العضوية

   يُقصد بالمنتَجات العضويّة تلك التي يتمّ إنتاجها بطرق زراعة تعتمد على الأسمدة ذات الأصل العضويّ، وعلى مكافحة الآفات بموادّ بيولوجيّة )بدلً من المبيدات الحشريّة القائمة على الموادّ الكيميائيّة(، وتستخدم في بعض الأحيان كمّيّات محدودة من الموادّ الكيميائيّة في فترات محدّدة، وهو ما يشار إليه باسم الزراعة الآمنة. الزراعة العضويّة هي عمليات منظّمة وفقًا للمعايير الدوليّة. يتمّ اتّباع طرق الزراعة العضويّة كنهج بديل للاستخدام المكثّف للمبيدات الحشريّة والأسمدة في الزراعة التقليديّة أحاديّة المحصول، والتي كان لها آثار ضاّرة على خصوبة التربة، والتنوّع البيولوجيّ للنظام البيئيّ وصحّة الإنسان ورفاهيّته. ومع ذلك، فإنّ طرق الزراعة العضويّة فيها العديد من أوجه القصور والقيود حيث تظلّ خاضعة للمراقبة الدوليّة، وهي مدفوعة بمتطلّبات السوق، وبالتالي لا تستند إلى الاحتياجات المحلّيّة وتطلّعات المنتجين/ات، وخصوصًا في الجنوب.

الزراعة المدعومة مجتمعيًّا

   تمثّل الزراعة المدعومة مجتمعيًّا شراكة بين المزارعين/ات والمنتِجين/ات، وتسلّط الضوء على فعل تقاسم الأدوار والمسؤوليّات من خال الزراعة. فهي تركّز على الإنتاج المحلّيّ، والعلاقات الشفافة بين المزارعين/ات والمستهلكين/ات. عادة ما تشمل مجموعة من المستهلكين/ات الواعيين/ات المهتمّين/ات بمعرفة مصدر طعامهم. قد يستثمرون في مزرعة معيّنة، أو يدفعون عضويّة موسميّة لاستلام غلّة هذا الموسم في صندوق على عتبة دارهم/نّ. فهي تهدف إلى بناء المجتمع، وخفض النفايات الغذائيّة، والحفاظ على المحاصيل والبذور المحلّيّة.

الزراعة أحادية المحصول / الزراعة الصناعية

   الزراعة الصناعيّة هي منهجيّة زراعة تركّز على زيادة الإنتاج وتقليل التكلفة وإنتاج المحاصيل التي يمكن بيعها بسهولة في السوق. تعتمد الزراعة الصناعيّة على الأدوات الاقتصاديّة والتكنولوجيّة لزيادة الإنتاج، وتطبيق التعديل الوراثيّ لتعزيز صفات مجموعة متنوّعة من المحاصيل لإطالة زمن بقائها صالحة للبيع، ومقاومتها للجفاف، وما إلى ذلك. ويسبّب هذا مخاطر على صحّة الإنسان والحيوان والبيئة. كما وأنّ طريقة الزراعة هذه تشكّل هدًرا للموارد، نظرًا إلى كثافة حاجتها إليها، إذ تتطلّب مناطق واسعة من الأراضي، ومصادر المياه، واستخدامًا مكثّفًا للأسمدة والمبيدات الحشريّة، واحتكار توزيع البذور وانتشارها. وهذا يعني في فلسطين، الاعتماد الكبير على البذور والموادّ الكيميائيّة الإسرائيليّة )والأجنبيّة(، وتسويق الزراعة هناك لضمان الربح، ممّا يؤدّي إلى انخفاض مستويات جودة المنتَجات. عاوة على ذلك، فإنّ هذا يؤدّي إلى إضعاف ممنهج لأصحاب الأراضي الصغيرة والمنتِجين/ات الذين يضطرون إلى التنافس مع المنتَجات الإسرائيليّة الرخيصة التي تمأ أسواقنا، بالإضافة إلى احتكار الشركات الكبرى للإنتاج الضخم للمنتَجات الأساسيّة.

الزراعة البيئيّة

   تعدّ الزراعة البيئيّة العمود الفقريّ للسيادة الغذائيّة. ويعرّفها سعد داغر، الذي يعتبره المزارعون/ات والناشطون/ات في هذا المجال أبًا للزراعة البيئيّة في فلسطين، بأّنها :" فلسفة وتطبيقات زراعيّة تراعي وتحترم النظم الطبيعيّة؛ فهي تغذّي جميع أشكال الحياة على الأرض وتعمل في انسجام مع النظام البيئيّ، دون التسبب في أيّ ضرر لعناصرها الأساسيّة - التربة والمياه والهواء والتنوّع البيولوجيّ والإنسانيّ. فهي تعيد الحياة من خال استعادة هذه العناصر، لإنتاج طعام صحّيّ يفيد صحّة البشر والحيوانات. إّنها زراعة تخلو من السموم المادّيّة والعقليّة والنفسيّة".

   الزراعة البيئيّة مستمدّة من المعارف والممارسات الزراعيّة التقليديّة الغنيّة التي يملكها المزارعون/ات والفلاّحون/ات في جميع أنحاء العالم. ووفقًا لإعلان المنتدى الدوليّ للزراعة البيئيّة، فإنّ" الزراعة البيئيّة هي الحلّ لتحويل وإصاح واقعنا المادّيّ في نظام الغذاء والمناطق الريفيّة التي دمّرها إنتاج الغذاء الصناعيّ، ويطلق عليها الثورات الخضراء والزرقاء. وتشمل الزراعة البيئيّة السيطرة على البذور والتنوّع البيولوجيّ والأراضي والحدود والمياه والمعرفة والثقافة والمناطق الزراعيّة الشاسعة التي يمتلكها الناس الذين يطعمون العالم” [4].

   تعتمد الزراعة البيئيّة على استخدام مدخات الإنتاج المحلّيّة، بما في ذلك البذور، وترفض استخدام أيّ موادّ كيميائيّة أو بذور النباتات المعدّلة وراثيًّا، وهو ما يتماشى تمامًا مع الإنتاج البلديّ.