لماذا يتم اتّباع طريقة التسوّق الأخلاقيّ في فلسطين؟

   في الوقت الذي كنا فيه نقوم بكتابة واعداد هذه الطبعة، أدى هجوم إسرائيلي آخر على قطاع غزة إلى مقتل 34 فلسطينيا. تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلية في الضفة الغربية القبض على الفلسطينيين واحتجازهم، وتوسيع المستوطنات، ويتواصل ترويع المستوطنين للأشخاص والأشجار والبيئة. لا تزال القدس تعاني الاختناق والحصار بسبب المستوطنات الإسرائيلية وهدم المنازل والانهيار الاقتصادي. ومع ذلك، تستمر الحياة وتظهر كل من الأنماط الإيجابية والسلبية التي تتطلب منا التوقف والتأمل في الاتجاه الذي نتجه إليه كمجتمع مجزأ إلا انه لا يزال يعمل رغم كل الصعاب التي تواجهه.

   تمر فلسطين منذ عقود عديدة بفترات مستمرة من الانتهاكات المنهجية والمنظمة لحقوق الإنسان، والاحتلال العسكري والمساعدات المشروطة المقيدة. وفي ظل وجود اقتصاد يعاني ومقيد بشكل كامل بإسرائيل، وفي ظل وجود نقص في الرؤية من جانب صانعي القرار حول كيفية تمكين الاقتصادات المحلية، فإن العديد من الحرف اليدوية المحلية والمنتجات البلدية والأعمال الفنية التقليدية قد فقدت مكانها في السوق. تغمر الأسواق الفلسطينية اليوم نسخ متماثلة رخيصة من العديد من العناصر التقليدية مثل الكوفية وقلادات شخصية حنضلة والفخار وغيرها من المنتجات وغالبًا ما تحمل ملصقا يذكر أنها "صنعت في الصين". نادراً ما يجد المشترون الواعون، (المشترون الذين يعون الأبعاد الأخلاقية لعمليات الشراء التي يقومون بها)، ما يبحثون عنه في المتاجر المتوسطة. لذلك فهم يعتمدون على آراء المعارف، أو عبر معرفة المنتجين بشكل شخصي أو حضور المهرجانات الثقافية للحصول على منتجات فلسطينية أصيلة وعالية الجودة.

   في الوقت نفسه، فإن العديد من المنتجين والمستهلكين، الذين لا يزالون متمسكين بأساليب الإنتاج والمنتجات الأصلية، على اتصال وثيق مع بعضهم البعض.  وبالتالي، فإن الشبكة موجودة ولكنها تحتاج إلى تعريف وتوضيح أكثر.  ويأتي هذا الدليل بوصفه أداة لتوسيع هذه الشبكة من خلال توفير معلومات عن المنتجين المحليين، وتشجيع المستهلكين على الشراء الأخلاقي، وإنشاء شبكة من التفاعلات التي تتجاوز المنتج الأخضر أو الفاكهة الموسمية. وهو يعتمد على الشبكات التقليدية القائمة بين المنتجين والمستهلكين، والتي تتوافق مع مبادئ الاستهلاك الأخلاقي. تاريخنا الثقافي مليء بأمثلة عن الممارسات "الخضراء"/الصديقة للبيئة، التي يطبقها بعض علماء البيئة الغربيين التقدميين كجزء من نمط حياة جديد. على سبيل المثال، فقد استخدم أجدادنا ممارسات اجتماعية مثل المقايضة، واستخدام المواد المحلية والطبيعية للبناء، والزراعة الموسمية البعلية، على مدى أجيال.  هذه الممارسات هي ما يجب علينا كمجموعة أن نسعى جاهدين لإحيائها ورفع مستوى الوعي حولها، مع مراعاة احتياجات أسواق التصدير والطلب الخارجي على المنتجات الفلسطينية عالية الجودة.

   تصبح قوتنا الشرائية، أو تأثيرنا عندما ننفق مبلغا معينا من المال على منتج ما، أقوى بكثير مما نتخيل. إذا بدأت التسوق بطريقة أكثر أخلاقية، وشجعت عائلتك وأصدقاءك على فعل الشيء نفسه، فسيكون لهذا الامر تأثير كبير، مما يعني أن المنتجين سيستمرون في زارعة المحاصيل الغذائية بالطريقة العضوية، وسيستثمر الحرفيون من الرجال والنساء في الحفاظ على الجودة العالية لمنتجاتهم. سيتم تعزيز الاقتصاد المحلي وسيصبح على شاكلة ما يعرف باسم "الاقتصاد التضامني"، والذي يهدف إلى القضاء على الظلم الاجتماعي والاقتصادي لصالح الناس بدلاً من الشركات. في حالة فلسطين، سيساعد ذلك في بناء "اقتصاد مقاوم وصامد" حيث يمكننا كفلسطينيين من تحقيق اقتصاد محلي قوي وسيادة غذائية واستقلال في الموارد. سيكون هذا الوضع مناسبا للسوق الفلسطيني ولن نكره على أن نكون السوق الأسير للبضائع الإسرائيلية التي يتم إنتاجها على الأراضي المسروقة بالمياه المسروقة. يمكن أن يؤدي الوعي بقيم النزعة الاستهلاكية المتوافقة اخلاقيا أيضًا إلى تغيير نظرتنا إلى العديد من القضايا العالمية، مثل الفقر وعمالة الأطفال والتدهور البيئي وتغير المناخ والأغذية المعدلة وراثياً. فهي تربط فلسطين بالمجتمعات التي تعاني من اقتصادات استغلالية وتسعى جاهدة للحفاظ على طعامها الأصلي وطريقة حياتها.

فلماذا نتسوق أخلاقيا في فلسطين؟  نفعل ذلك من أجل دعم المنتجين المحليين والحفاظ على المعارف التقليدية وإحياء وتعزيز النسيج المجتمعي والتراث الثقافي.