رسالة المؤلّفتين

   منذ خمسة أعوام، بدأت رحلتنا لإعداد دليل للتركيز ولإلقاء الضوء على أبطال وبطات الإنتاج المحلّيّ الفلسطينيّ. نحن صديقتان مقرّبتان لدينا شغف بالمنتَجات الأصليّة والتجارب المحلّيّة في فلسطين وعشق لها، حيث نتشارك مع الزماء والزميات والأصدقاء والصديقات في مؤسّسة هينرش بُل العمل على جمع قصص حول المنتَجات من جميع أنحاء فلسطين .

   ليس الهدف من هذا الدليل أن يكون مثاليًّا، أو أن يشمل المنتِجين/ات كافّة، أو أن يقدّم الحلّ السحريّ والسريّ لعلاج الهياكل الاقتصاديّة المعرّضة للفشل في فلسطين. قدّمت الطبعة الأولى من الدليل لمحة عن الأمل والفخر برؤية وسماع قصص المنتِجين/ات وارتباطهم/نّ الوثيق بحرفهم/نّ ومنتَجاتهم/نّ. اليوم، وبعد مرور خمسة أعوام، قمنا بتحديث الدليل بتؤدة وتوجّس. أمّا الحماسة والتؤدة فتنبعان من حقيقة أّننا شهدنا، على المستويّين الشخصيّ والمهنيّ، اهتمامًا متزايدًا واستثماًرا في إحياء التراث والتقاليد الثقافيّة، على يد أفراد ومجموعات من المبدعين/ات. كنّا على ثقة من أنّ هذه الطبعة الثانية ستشمل الكثير من المنتِجين والمنتِجات الجدد، وكثير منهم/نّ من الشباب والشابّات والمتحمّسين/ات، وستواصل التركيز، كما في الطبعة الأولى، على خصوصيّات أولئك الذين حافظوا/ن على التقاليد المحلّيّة على مدار عقود.

   ستجد/ين عبر صفحات طبعة الدليل هذا، مزيجًا من العديد من روّاد الأعمال الشباب والشابّات والفنّانين/ات والخرّيجين/ات الجدد الذين تحدّوا الضغوط الاقتصاديّة والاجتماعيّة وغامروا/ن بشغف لإنشاء مشاريعهم/نّ للحفاظ على التراث الثقافيّ مع ابتكار أفكار ومفاهيم جديدة. ونبع توجّسنا من ضرورة التواصل مع العديد من المنتِجين/ات الذين قد لا يكونون قادرين/ات على المساهمة في الدليل بسبب المرض والشيخوخة، والحقيقة البسيطة المتمثّلة في انتهاء ممارسة حرفة معيّنة وعدم إمكانيّة إعادة إنتاجها. إلى جانب الواقع القاسي للحياة تحت الاحتلال والممارسات الاستعماريّة المستمرّة للمستوطنين، وهو من الأمور التي تُعرّض التراث الثقافيّ الفلسطينيّ لتهديد المحو والإزالة، كما وتبقيه تحت طائلة تهديد الاستيلاء والسرقة الثقافيّة. برع العديد من المبادرات الواردة في هذا الدليل في مواجهة تلك التهديدات، وما تزال مبادرات عدّة تبتكر طرقًا جديدة للحفاظ على معارفنا المحلّيّة وتصديرها إلى العالم، مع الاستثمار بكثافة في تحويل الاهتمام المحلّيّ نحو إنتاج واستهلاك المنتَج الفلسطينيّ. تجدر الإشارة إلى أّننا تعلّمنا الكثير من العبر والدروس خلال تلك الأعوام الخمس. وأهمّ تلك الدروس، أّنه وبالرغم من أهمّيّة تحديد المنتجين/ات والمستهلكين/ات، إلّ أّنه يصعب فعاً التفرقة بينهم/نّ أو تحديد من هو أكثر قوّة وتأثيرًا. ولهذا، فإنّ الطرح الذي نركّز عليه في هذه الطبعة من الدليل، هو أّننا جميعًا مواطنون/ات فاعلون/ات، ننتج ونستهلك في جميع الأوقات وعلى مستويات مختلفة، وأنّ الأدوار ما بيننا تتغيّر باستمرار. ومع ذلك، فإّننا نؤمن، أكثر من ذي قبل، أنّ تصرّفاتنا وأساليب حياتنا تساهم في تشكيل العالم الذي نعيش فيه. طلبنا من قرّائنا، في الطبعة الأولى، تخيّل الشكل الذي سيكون عليه المجتمع الفلسطينيّ المستدام وما زلنا نعتقد أّنه سيكون «مكاًنا متناغمًا يحترم ويحافظ على تقاليده وحرفه المحلّيّة، في مجتمع يدرك تصرّفاته وتأثيره على الكائنات الأخرى،البشريّة وغير البشريّة .»

   تشكّل هذه الطبعة من الدليل احتفالً بالإنجازات الكبرى التي وصلنا إليها كمجتمع. وتُعدّ قصص المنتِجين/ات الجدد قصّة انتصار المجتمع في تعزيز الصلات والعلاقات بين المنتِجين/ات والمستهلكين/ات، وتحدّيًّا للوضع الاقتصاديّ المنهار الذي أوقعتنا فيه السياسات الاستعماريّة والنيوليبراليّة. كما يعرض هذا الدليل قصص المنتِجين/ات الفلسطينيّين/ات الذين ظلّوا في بلداتهم/نّ وقراهم/نّ إثر نكبة 1948 . تحمل قصصهم/نّ أهمّيّة إضافيّة كونها تبيّن كيف يعانون/ين تحدّيات متعدّدة للإبقاء على استمراريّة ممارسات حياتيّة محدّدة حيّة ونابضة. يعيش الفلسطينيّون/ات في الداخل المحتلّ، والذين يشكّلون نحو 20 بالمائة. من السكّان، تحت سلسلة من قوانين وسياسات الفصل، والتي تحرمهم/نّ من الوصول إلى الأرض ومصادرها الطبيعيّة. ولكنّ القصص الجميلة والمعبّرة عن الصمود، والتي تتحدّث عن الحرف والطعام والنبيذ ومشاريع الموروث الثقافيّ هناك، تذكّرنا بجذورنا ونضالنا المشترك، وكيف أنّ الإنتاج الزراعيّ والحرفيّ هو حقًّا فعل تحدّ وصمود.

    كما أّنه احتفال بالقضاء على الحدود والخطوط العسكريّة المصطنعة، حيث يتمّ تبادل الأفكار والإنتاج والخبرات في جميع أنحاء فلسطين وخارجها. كان طموح الأفراد والمساهمين/ات في هذا الدليل تعزيز الاقتصاد التضامنيّ وتبادل المعرفة بين أصحاب وصاحبات المحلاّت التجاريّة والمزارعين/ات والمصمّمين/ات والحرفيّين/ات والفنّانين/ات كبديل للتسوّق من المراكز التجاريّة الكبرى المضاءة بمصابيح النيون الفلوريّة، والمليئة بالمنتَجات غير معروفة الأصول. يمكننا أن ندّعي هنا أّننا، وإن ببطء، نحقّق الكثير على صعيد تلبية هذا الطموح عبر المبادرات العظيمة التي أدرجناها في هذا الدليل. ومع ذلك، فإنّ هذه المبادرات مجرّد لمحة بسيطة عن العديد من المبادرات والأفكار التي تجري على أرض الواقع في مختلف الأحياء والمدن والبلدات والقرى في فلسطين وفي المهجر. إّننا ننظر إلى هذا الدليل بوصفه محاولة لتوثيق حركة التغيير التي تجري عبر الأجيال والمحافل المتعاقبة لاستعادة تراثنا الثقافيّ وتمكين وإسناد نماذج الصمود والمقاومة الأصيلة.