تشكّل سوسيا حالة خاصّة وهي شاهد حيّ على سياسة الاحتال في محاولاته اقتلاع الفلسطينيّين من أرضهم.تمّ تهجير أهالي سوسيا عدّة مرّات منذ النكبة وإنشاء كيان الاحتلال لمستعمرة سوسيا على أراضيها سنة 1983. وفي سنة 1986 ، طرد جيش الاحتالل السكّان الفلسطينيّين من بيوتهم/نّ بعد أن أعلنت الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة القرية الأصليّة على أّنها حديقة وطنيّة يقع في مركزها موقع أثريّ (خربة سوسيا). فانتقل السكّان للعيش على بعد أمتار قليلة من الموقع الأصليّ. كما تمّ تصنيف الأراضي التابعة لقرية سوسيا كمنطقة )ج( حسب اتّفاقية أوسلو، حيث يحتفظ الجانب الإسرائيليّ بسيطرة كاملة على الأمن والأمور المدنيّة خلال فترة خمس سنوات انتقاليّة وصولاً إلى اتّفاقية الحلّ النهائيّ، التي لم تتمّ ولم تحدث أبدًا. وعليه، فقد ظلّ سكّان سوسيا والقرى الأخرى المصنّفة منطقة (ج( ممنوعين من تشييد أيّ منشآت بشكل قانونيّ والارتباط بشبكتي المياه والكهرباء إلاّ بعد الحصول على ترخيص من الاحتلال، والذي لم يمنح هذه التراخيص لقرية سوسيا، أو لأيّ قرية أخرى من قرى منطقة (ج(، ما اضطرّهم إلى العيش في خيم. وتعرّضت حتّى أكثر المنشآت أساسيّة من الخيم وآبار المياه وحظائر المواشي للهدم عدّة مرّات من قبل جيش الاحتلال، حيث يتمّ بشكل دائم إعطاء أهالي سوسيا أوامر هدم لمنشآتهم. ويمرّ بمحاذاة خيمهم خطوط مياه وكهرباء للمستعمرات والمواقع العسكريّة الإسرائيليّة، في حين يتمّ منعهم من استخدامها، كسياسية واضحة للتهجير.
ومع كلّ المحاولات لتهجيرهم، شكّل بقاء أهالي سوسيا نموذجًا للصمود والحفاظ على الأرض. فهم يعتمدون في معيشتهم على الرعي وزراعة أشجار الزيتون وبعض المحاصيل الحقليّة. إّنهم في الأساس مجتمع فلّاحيّ وليس بدويًّا، ولكن سياسات الاحتلال فرضت عليهم نمط الحياة البدويّة. بدأت جمعيّة سوسيا التعاونيّة لإنماء الثروة الحيوانيّة بجهود من أهل البلدة لإيجاد مصدر دخل يعزّز بقاءهم في المنطقة. تمّ تأسيس الجمعيّة من قبل 75 رجلاً وامرأة من أبناء سوسيا، وبعد انسحاب البعض منهم/نّ تبقّى 55 عضوًا قاموا بشراء قطعة أرض بمساحة 4 دنومات في منطقة محاذية لموقع سكنهم/نّ، بين يطّا وسوسيا. يقع جزء من الأرض تحت تصنيف (ج( والجزء الآخر تحت تصنيف )ب(، ما مكّنهم من بناء مقرّ للجمعيّة عليها، حيث أنّ المناطق المصنّفة )ب( تقع تحت سيطرة السلطة المدنيّة الفلسطينيّة. وقاموا على إثرها بجذب بعض المشاريع الزراعيّة من مؤسّسات محلّيّة ودوليّة.
قامت الجمعيّة على فكر تعاونيّ بمجهود شخصيّ، حيث إنّ أغلب الأعضاء لديهم/نّ أغنام. قدّم كلّ عضو خروفين اثنين لبداية العمل على فكرة تسمين وتربية المواشي. واجهت الجمعيّة صعوبات مادّيّة تتعلّق بتدّني أسعار اللحوم بسبب استيراد وزارة الزراعة الفلسطينيّة الماشية من الخارج. بالإضافة إلى تحدّيات أخرى كالقوانين المعيقة، وتشكيل هيئة تعاونيّات جديدة أدّت إلى بيروقراطيّة معقّدة، ومصاريف ماليّة تتكبدها الجمعيّات. لجأت بعدها الجمعيّة إلى مشاريع زراعيّة مثل زراعة الخيار والكوسا في دفيئات زراعيّة. وفي شتاء سنة 2019 ، قاموا بتجربة زراعة 8000 شتلة فراولة لأوّل مرّة، كونها سلعة مربحة. ويحاولون قدر الإمكان الاعتماد على طرق طبيعيّة لإدارة الآفات وتسميد التربة. ويقومون الآن ببحث فكرة إنتاج الكومبوست أو السباخ من مخلّفات الطعام التي عادة ما يتمّ التخلّص منها مع النفايات.
تعدّى أثر إنشاء الجمعيّة العائد المادّيّ لأعضائها، حيث أدّى بناء مقر الجمعيّة وتمديدها لشبكة الكهرباء ومدّ طرق للمنطقة، إلى ازدهار المنطقة المحيطة، وتوجّه أهالي البلدة لمواجهة الاحتال والبناء في المنطقة المهدّدة بالمصادرة .وخلال عام، تمّ تشييد 14 منشأة سكنيّة منها ما هو مقام في منطقة (ب) بجوار مبنى الجمعيّة، ومنها في منطقة (ج).
ندعوكم/نّ إلى تخصيص يوم على الأقلّ لزيارة سوسيا والتعرّف على أهاليها الكرام وعلى جمعيّة سوسيا التعاونيّة.