انطلقت فعاليات مؤتمر معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان - جامعة بيرزيت الذي عقد بالتعاون مع مؤسسة هينرش بل - فلسطين والأردن، عصر يوم الجمعة الخامس والعشرين من أيلول 2020، في دورته ، تحت عنوان "متى تعود الابتسامة إلى عالمنا؟" عبر صفحة معهد مواطن على اليوتيوب، وذلك بمشاركة العديد من الباحثين والأكاديميين من أنحاء العالم.
أُفتتح المؤتمر رئيس جامعة بيرزيت الدكتور عبد اللطيف أبو حجلة، الذي رحب بالحضور وأشاد بتضامن المشاركين من خارج فلسطين. وشدد على أهمية المؤتمر الذي يناقش قضايا تحاكي الأوضاع الصعبة التي يمر بها العالم بشكل عام وفلسطين بشكل خاص، ويجدد الثقة في قدرة العلم على مجابهة المشاكل. كما أشار إلى أهمية الدور الذي يلعبه معهد مواطن في طرح القضايا الفكرية والهموم المحلية والعربية والعالمية للنقاش العام. وتطرق إلى تأثير أزمة جائحة كورونا على كافة القطاعات، وعلى التعليم العالي بشكل خاص.
أما في الكلمة الافتتاحية لمدير معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان، الدكتور مضر قسيس، والتي بدأها بالترحيب بالمشاركين والحضور، فقد أشار إلى أن موضوع الثقة في مستقبل مع ابتسامة هو تعبير عن ثقتنا في التحرر من نير الاستعمار وتغلبنا على الجائحة. وعرض قسيس لتصوره عن الشروط الضرورية لتحقيق هذه الطموحات، وتشمل، بين أمور أخرى، أهمية التضامن بين الشعوب وبناء تحالفات على أساس المصالح المشتركة، وليس على أساس الهويات، وضرورة النقد العملي بحيث لا يكون النقد في جوهره توزيع مهام على الآخرين، والتخلي عن أي تفاوض وفق شروط القوى المهيمنة. كما حذر في كلمته من أن النخبة الصغيرة المستفيدة من الوضع الراهن في العالم ستدافع عن بقائها وهيمنتها بشراسة وصولاً إلى عالم فاشي، وأن علينا واجب مجابهتها.
وألقى المؤرخ الهندي فيجاي براشاد، مدير معهد ترايكونتيننتل للبحوث الاجتماعية وأحد مؤسسي "الأممية التقدمية"، كلمة مفتاحية بعنوان "أجندة لدول الجنوب بعد الجائحة"، تناول فيها اقتصاد دول الجنوب بعد الجائحة، والحاجة إلى معالجة الوباء العالمي وتوسيع التضامن الطبي من خلال وضع حلول للاستخدام الأمثل لمواردها الثمينة، من أجل تعزيز التعليم والتدريب الطبي العام، وإنشاء المشاع الفكري وإلغاء الديون، إضافة إلى سن ضوابط تكبح تغول رأس المال.
في الجلسة الأولى بعنوان "تجليات المأزق في العالم العربي" تحدثت الأستاذة التونسية في جامعة باريس دوفين، الدكتورة هالة يوسفي، حول "السيادة الوطنية للدول العربية: أهي طوباوية؟". وناقشت في ورقتها الثورات العربية ومطالبها التي لم تتحقق بشكل فعلي على أرض الواقع، والشعوب التي ما زالت تناضل من أجل إيجاد حلول اجتماعية وسياسية واقتصادية. كما أشارت إلى عودة السيادة الوطنية للأجندة السياسية للدول العربية، وإمكانية أن تظل الدولة موضوعاً للتحليل في منطقة تعاني من الحروب والتحولات النيوليبرالية.
أما الكاتبة والباحثة دلال البزري من لبنان، فقد تطرقت في ورقتها بعنوان "الإمبريالية غير التقليدية تحتاج إلى يسار غير تقليدي" إلى ضعف الإمبريالية التقليدية نتيجة صراعات قواها المختلفة، وأشارت إلى أن الوباء عرّى النظام الذي كان يتسم بالريادية. وأشارت الدكتورة البزري إلى انضواء بعض اليساريين تحت مظلة الأصولية الشيعية فيما يتعلق بأولوية العداء للإمبريالية التقليدية والصهيونية، مما أدى إلى تخليهم عن الأوجه الاجتماعية والسياسية ليساريتهم. وتساءلت البزري عن طبيعة اليسار القادر على مواجهة الإمبرياليات التي تزاوج الأنماط التقليدية والجديدة.
استهل اليوم الثاني للمؤتمر بكلمة مفتاحية للرئيس المؤسس لمركز البحوث التشاركية في اَسيا، الدكتور راجش تاندون من الهند، بعنوان "إعادة تخيل أزمان مقبلة فيها كل حياة تهم: الديمقراطية التشاركية في حقبة ما بعد الجائحة". طرح فيها إعادة تصور المستقبل حيث يعيش الجميع وأشار إلى عدة قضايا أبرزها، ارتفاع معدلات الوفيات في الأنظمة الرأسمالية الغربية، وتعرض البنية التحتية كافة للتصدع وخصوصاً قطاع الصحة، والديمقراطيات الانتخابية الاستبدادية والمركزية، كما قدم بعض الحلول للخروج من الأزمة الحالية بأقل الخسائر.
بدأت الجلسة الثانية للمؤتمر بعنوان "مستقبل الرأسمالية"، التي ترأستها مديرة برنامج الدكتوراه في العلوم الاجتماعية في جامعة بيرزيت، الدكتورة ليزا تراكي، بالورقة الأولى التي قدمها الدكتور رائف زريق، الباحث والأستاذ المختص في الفقه، التي كانت بعنوان "الشعبوية وحنة أرندت". تناول فيها المقارنة بين الحركات الشعبوية الاَن وبين الحركات التوتاليتارية التي وصفتها حنة أرندت، في القرن المنصرم، والتي نشعر بأنها تتماثل في بعض الظواهر التي نعيشها الآن من مرحلة امتداد وهيمنة سياسات وحركات شعبوية. وتساءل الدكتور زريق حول إمكانية أن تتحول النزعات الشعبوية إلى حركات توتاليتارية، وأوضح طبيعة الأزمة في الفكر الليبرالي، في القرن المنصرم، مقارنة مع أزمته الحالية.
أما الورقة الثانية "أزمة الرأسمالية في ظل الفوضى العالمية الراهنة"، فقد قدمها أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد. وتناول فيها الأبعاد الرئيسية للأزمة الحالية التي تواجه العالم الرأسمالي، ومنها: وباء كوفيد 19، والركود في الاقتصاد العالمي، وتدهور الظروف البيئية. وقد أشار إلى وجهة نظره في صعوبة انهيار النظام الرأسمالي العالمي، وبالتالي استمرار الأزمة على الرغم من أن النيوليبرالية قد مهدت الطريق للأزمة الحالية.
ترأست الدكتورة رنا بركات، عضو الهيئة الأكاديمية في جامعة بيرزيت، الجلسة الثالثة "عمق الأزمة"، فكانت الورقة الأولى فيها بعنوان "إعادة تموضع الفساد السياسي في النظام العالمي الراهن" قدمها عضو الهيئة الأكاديمية في جامعة بيرزيت، الدكتور باسم الزبيدي. تطرق فيها إلى أهم الملامح البنيوية للفساد السياسي الذي رافق التحولات النيوليبرالية في العقود الأخيرة، وتحليل صيغ تموضعه الجديدة مستقبلاً، وخاصة بعد جائحة كورونا. كما تناول انعكاسات عملية تموضع الفساد السياسي، وآثار ذلك على حالة البشرية، سياسياً وبيئياً.
والورقة الثانية قدمتها عضو الهيئة الأكاديمية في كلية القانون في جامعة وندسور في كندا، الدكتورة ريم بهدي، والتي عنوانها "هل التضامن الدولي عبر ثنائية المسترد - غير المسترد ممكن؟". تناولت فيها كيف يتم تصنيف الناس عبر الأزمنة والأمكنة المختلفة إلى مجموعات، فالمجموعة التي اعتبرت قاصرة أخلاقياً لها نظير يواجه ظروف الحياة نفسها، ولكن يتم تعريف ظروفه بأنها نتيجة لعوامل خارجية وليست سمة متأصلة به، وبالتالي تم وضع قوانين لتعكس ذلك. كما تساءلت الدكتورة بهدي حول إمكانية بناء التضامن الذي نحتاجه للاقتراب من العدالة من خلال القانون، وإمكانية استخدام القانون لبناء تضامن دولي.
واختتمت الجلسة الثالثة بورقة قدمها الدكتور كواديو أبياجي – أتوا، محاضر رئيس في كلية الحقوق في جامعة غانا، التي كانت بعنوان "تشكيل هوية أفريقية للحوكمة وحقوق إنسان في النظام العالمي ما بعد الجائحة". تطرق فيها إلى خطر تخطي أفريقيا من قبل ما بات يعرف بالنظام العالمي ما بعد الجائحة، وأن يبقى الفكر السياسي وتوازن القوى عقب جائحة كورونا يراوح مكانه في القارة السوداء. فقد شكل أداء الحكومات في أفريقيا، خلال أزمة فيروس كورونا، وعدم قدرتها على تحقيق التوازن بين الحقوق الفردية ومصالح المجتمع، مؤشرا على خطر بقاء القارة على الهامش. كذلك أوضح الدكتور أبياجي - أتوا أن القوانين الجديدة التي تم سنها والإجراءات الجديدة التي فرضت إبان الجائحة ستتجاوز مرحلة الطوارئ، وتصبح "الوضع الطبيعي الجديد"، ما سيؤدي ذلك إلى إضعاف الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
استمرت أعمال اليوم الثالث للمؤتمر يوم الأحد السابع والعشرين من أيلول 2020، واستهل اليوم بالجلسة الرابعة بعنوان "معطيات الواقع ومتطلبات التغيير"، التي ترأستها مديرة مكتب مؤسسة هنرش بل الألمانية في رام الله الصحفية بيتينا ماركس. قدم الورقة الأولى الباحث في جامعة لوفانا في ألمانيا، الدكتور سامي خطيب بعنوان "العنف والرأسمالية وشبح الفاشية"، وأوضح من خلالها أنه لا يمكن فهم عنف الفاشية "الاستثنائي" دون تحليل عنف الرأسمالية "الطبيعي"، فالعنف سمة متأصلة في المجتمع الطبقي الرأسمالي، كما اعتمد في ورقته على تحليل فانون لواقع العنف الاستعماري فهناك وجود شبحي للعنف الاستعماري كعلاقة غير متكافئة وديالكتيكية. وتساءل خطيب حول إمكانية استخدام نظرية مدرسة فرانكفورت المبكرة حول الفاشية، لتساعدنا على فهمنا للوضع الحالي للفاشية النيوليبرالية، والأشكال الاستبدادية للهيمنة الرأسمالية المعاصرة، واستدامة الواقع الرأسمالي في وظائفه النظامية.
أما الورقة الثانية "المقاومة المدنية واللاعنف"، فقد قدمها الدكتور هيثم مناع، رئيس المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان في جنيف. تناول فيها شرح للمنظومة العالمية التي تميزت بتعدد أنماط العنف الممارس على المصنفين بأنهم "أعداء"، إذ كان دائماً يتم اللجوء إلى العنف سواء عسكرياً أو اقتصادياً. وأوضح أن اللجوء للعنف من قبل القامع والمقموع، على حد سواء، هو مدمراً للشعوب المستضعفة، وتساءل الدكتور مناع حول إمكانية جعل اللاعنف والمقاومة المدنية أسلوب نضال أممي مشترك للمجتمعات المدنية لمواجهة، ما يُطلق عليه، نقص "المناعة الذاتية" في دول المحيط والمجتمعات الأضعف أثناء عملية التحول البطيئة في النظام العالمي.
الورقة الثالثة والأخيرة في الجلسة، حول "رأسمالية الخليج العربي والاقتصاد السياسي العالمي المتغير"، قدمها الدكتور اَدم هنية، عضو الهيئة الأكاديمية في برنامج دراسات التنمية في جامعة لندن. تناول فيها وضع دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً بعد ظهور النفط والفوائض المالية المرتبطة به، كقضية أساسية لتوازن القوى العالمية ووظائف الرأسمالية الحديثة، وأشار أيضاً إلى كيفية تشكيل ومساهمة هذه السمات على تطور الدولة في الخليج، التي ترتبط بفئة قوية من تكتلات الأعمال الخليجية التي أصبحت تهيمن على جميع لحظات التراكم. وتساءل الدكتور هنية حول ما قد يعنيه تدويل رأس المال الخليجي بالنسبة لمكانة الشرق الأوسط في الديناميكيات المتغيرة للاقتصاد العالمي، ونوه خلال حديثه إلى ارتكاز رأس المال الفلسطيني الكبير بدرجة كبيرة إلى اقتصاد دول الخليج العربي.
ترأس عضو الهيئة الأكاديمية في معهد الحقوق في جامعة بيرزيت الدكتور جميل سالم الجلسة الخامسة الختامية بعنوان "معالم المستقبل". عرض فيها ورقة بعنوان "بل متى كان عالمنا يبتسم؟"، أستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في جامعة لندن البروفيسور جلبير الأشقر، الذي تطرق إلى الإنجازات السياسية والاجتماعية التي بلغت ذروتها في ستينيات القرن المنصرم، إذ شهد ذلك العقد صعود حركات التحرر الوطني ونجاحات كبيرة في نزع الاستعمار وصمود الشعب الفيتنامي في وجه العدوان الأمريكي، والثورة الثقافية في الصين وغيرها، فعرف العالم خلال ذلك العقد وتائر عالية من النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي. فقد كان عقد الستينيات، عالم حقاً يبتسم، وكان الشباب فيه متفائل يتطلع إلى مستقبل مُشرق منوها إلى تنغيص الأمل العربي إبان النكية والنكسة. كما أشار الدكتور أشقر، إلى أن زمن كوفيد 19 يأتي بعد أربعين عاماً من النيوليبرالية التي شهدت تفكيك الكثير من الإنجازات الاجتماعية التي كانت بالسابق، وتبدل موازين القوى العالمية والتحولات الاقتصادية التي تميزت بالاستغلال الفاحش واللامساواة، وتساءل الدكتور أشقر في الختام عن إمكانية أن يستعيد الجيل الجديد القدرة على الابتسام والأمل من جديد.
قدم الورقة الثانية في الجلسة الخامسة "العالم العربي ما بعد وباء الكورونا"، الدكتور جورج جقمان، عضو الهيئة الأكاديمية في جامعة بيرزيت، تناول فيها اَراء مختلفة حول شكل العالم ما بعد كورونا، فمنهم من يرى أن العالم سيشهد كساداَ اقتصادياً كبيراً ومعولماَ، بينما يرى آخرون أن هذا سيولد صراعاً كونياً بين قوى محافظة تسعي إلى منع التغيير وبين حركات جماهيرية من المتوقع أن تنشأ وتظهر. وأشار الدكتور جقمان، من وجه نظره، إلى أن العالم العربي لن يكون بمنأى عن هذا الصراع الذي بدأ مسبقاً مع نهاية عام 2010 في تونس ومن ثم مصر والثورات العربية الأخرى، وأوضح بأن العالم العربي سيشهد الآن، وبسبب الإفقار والإملاق الإضافيين، عودة لمرحلة ثالثة من الثورات والانتقاضات، سيجري فيها الاصطفاف بين الدول العربية التي تقود الثورة المضادة منذ عام 2011.
كانت الكلمة الختامية في المؤتمر لأستاذ التاريخ والقانون في جامعة ييل في الولايات المتحدة الأمريكية، الدكتور صاموئيل موين، بعنوان "سقوط الرفاه وصعود حقوق الإنسان". تناول فيها قضية تزامن صعود النيوليبرالية مع ازدهار خطاب حقوق الإنسان، وتراجع الاشتراكية من جهة، وتراجع الدول الغربية عن أنظمة الرفاه، ونزوعها نحو إحلال "حقوق الإنسان" محل الرفاه. وأشار موين إلى أن وعد حقوق الإنسان لن يتحقق بدون المكونات الاقتصادية والاجتماعية لمنظومة الحقوق، وبدون إعطاء المساواة مكان الصدارة في مشاريع المستقبل.
تخلل مؤتمر مواطن السادس والعشرين العديد من النقاشات من قبل المشاركين، والتي تركزت حول محاور المؤتمر، وخاصة الاقتصاد السياسي العالمي المتغير، والأزمات المتعاقبة، ومتطلبات والخيارات المتاحة للتغيير، ومستقبل العالم وبشكل خاص العالم العربي ما بعد وباء كورونا.
يمكن مشاهدة جميع جلسات المؤتمرهنا.