محمد فادي سائق شاحنة ينقل البضائع من وطنه مصر إلى الجارة الأردن. في نيسان، صادرت الجمارك الأردنية شاحنته لأنه نقل فيها بضائع غير مطابقة لمعايير هيئة المواصفات والمقاييس الأردنية. ولم تكتف سلطات الجمارك بمصادرة الشاحنة، بل حجزته في المنطقة الجمركية. بعد أسابيع وشهور دون ظهور حل لمشكلته، قرر أحد أصدقائه السائقين طرح قضيته على الإعلام. اتصل علي، صديق محمد، بسارة المذيعة في برنامج إذاعي جديد على راديو البلد. سارة مصرية متزوجة من رجل أردني، وبدأت تقدم هذا البرنامج بعد أن تلقت تدريبا مع شبكة الإعلام المجتمعي بدعم من مكتب هنريش بل في فلسطين والأردن. بعد أن أنهت سارة التدريب، بدأت بتقديم برنامج محطة مصر، وهو برنامج إذاعي أسبوعي يركز على ظروف عمل العمالة المصرية المهاجرة في الأردن، ويسعى لخلق منصة تسمح لهؤلاء العمال بالتعبير عن أنفسهم لمساعدتهم في معيشتهم الصعبة.
لا تتوفر معلومات عن عدد المصريين الذين يعملون ويعيشون في الأردن. تشير السجلات الرسمية إلى ترخيص مليون عامل مهاجر، ولكن العدد الفعلي قد يبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف هذا الرقم، حيث يعمل البقية دون تصريح عمل، ما يعني أنهم عرضة للترحيل الفوري إن أمسكت بهم الشرطة.
بدا برنامج محطة مصر بالبث على راديو البلد، وهذه إذاعة أردنية مجتمعية رائدة، ولكن لم يكن بالإمكان توقع ردود الفعل تجاه البرنامج في البداية. وتم نقل البرنامج أيضا بالبث المباشر على منصات التواصل الاجتماعي ولاقى رواجا واسعا بسرعة كبيرة. ثم تبين أن العمال المصريين يتواصلون بين بعضهم البعض عبر مجموعات على الواتس آب. بعد فترة قصيرة، حصل البرنامج على آلاف المتابعين الذين أرسلوا الرسائل واتصلوا بالمحطة لنقل شكواهم ومشاكلهم.
محمد شنك، مدير البرامج في راديو البلد وهو مدرب سارة وزميلها في البرنامج محمد باز، وقد ساعدهما على التنقل السلس عبر الخط الرفيع بين الصحافة والمناصرة، يخبرنا: "ساعدتهما في الاتصال بالهيئات الحكومية للحصول دائما على رد رسمي على شكاوى العمال"
لم تقتصر ردة الفعل الواسعة للبرنامج الإذاعي على العمال المهاجرين في الأردن، فقد تابع بثه المباشر على حسابات التواصل الاجتماعي عدد كبير من العمال المصريين العالقين في مصر دون القدرة على العودة لوظائفهم المرخصة في الأردن. تخبرنا سارة غلاب، منتجة البرنامج ومقدمته، أنهم تفاجأوا من ردة الفعل الموسعة، وتضيف: "يبدو أننا ملأنا فراغا كبيرا في حياة مئات الآلاف من المصريين الذين لم يعرفوا أين يتوجهوا بشكواهم." وتوضح أن مساعدة العمال العاديين شكلت ’باكورة قصص نجاح البرنامج‘. "عندما تفشت جائحة كورونا وأغلقت الحدود، سمح الأردن لمواطنيه بالعودة، ولكن لم يعر أحد اهتماما للعمال المصريين الشرعيين الذين عادوا لديارهم لإجازة عائلية قصيرة، ثم علقوا في مصر." لم يتوقف البرنامج عند استقبال الشكاوى، بل قامت سارة وشريكها باز محمد بالاتصال بالسفارة المصرية وبعض الزملاء الصحفيين في مصر. "وفي غضون أسابيع قليلة، بدأ الاهتمام بقضيتهم، والتقى السفير المصري في الأردن مع وزير العمل الأردني وسمح للعمال الشرعيين بالعودة إلى الأردن."
وعالج البرنامج مشكلة أخرى، حيث لم يتمكن عمال المياومة المصريون من تلبية احتياجاتهم لأن الإغلاق الذي فرضته الحكومة الأردنية جعلهم يخسرون دخلهم اليومي. شارك معظم المصريين في نظام الضمان الاجتماعي، ولكن تم إخطارهم أن مساهماتهم تصرف لهم فقط عبر حوالة بنكية عند عودتهم إلى مصر. أثار باز محمد، الناشط مع زملائه المصريين، هذه القضية مع المتحدث باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي الأردني، وأخبرنا: "استجاب الضمان الاجتماعي لطلبنا وسمح للعمال العائدين إلى مصر بتلقي دفعة مقدمة لتغطية تكلفة تذاكر العودة إلى مصر، بالإضافة ل 100 دينار أردني كمصروف للجيب."
يرى عدد كبير من العمال المصريين في البرنامج فرجا من الله. فقد منحهم صوتا ودافع عن قضاياهم التي نادرا ما تبنتها السفارة المصرية الصغيرة نسبيا. في بعض الأحيان تم التعامل مع قضايا كبرى وفي أحيان أخرى عولجت قضايا أصغر. يوضح باز أن مشاكل معظم المتصلين بسيطة ويمكن حلها بسهولة: "أتذكر أن عاملا اتصل ليخبرنا عن مشاكله في تعبئة طلب لدى الحكومة الأردنية لتنظيم عودة العمال. وقال آخر إن مكتبا محليا طلب منه مبلغ 80 دينار أردني لتعبئة الطلب الإلكتروني." أخبر باز المتصل ألا يدفع أي مبلغ وساعده وساعد آخرين على الهواء في تعبئة الطلب. كما وجه المتصل إلى مجموعات من المصريين الأصدقاء الذين تطوعوا لمساعدة المصريين الذين ليس لديهم إلمام باستخدام بتكنولوجيا المعلومات، لتعبئة الطلبات على هواتفهم الذكية.
عندما اكتشف أصدقاء محمد فادي هذه المنصة التي تستمع لمشاكل العمال، قرروا الاتصال حتى يتمكن صديقهم من الإفراج عن شاحنته الخاصة. ويبدو أن الاتصال بالمنتجين هو السبب وراء نهاية هذه المأساة. عندما وصل سارة اتصالا خاصا، تشاورت مع مستشار قانوني لتستعلم عن مدى قانونية احتجاز سائق الشاحنة لسبعة شهور، وقال المستشار إن هذا التصرف ليس قانونيا. وبمساعدة الفريق بثت القصة على البرنامج الإذاعي ووضح المستشار القانوني أن حجز محمد فادي لهذه المدة الطويلة غير قانوني، وأنه يستحق التعويض عن كل يوم حرم فيه من العمل.
وفور بث تفاصيل القضية على الإذاعة، تسارعت عجلة العدالة، وأصدرت محكمة أردنية بعد أسبوعين من البث أمرا لسلطة الجمارك بالإفراج عن السائق وشاحنته. لاحقا تم تحريك دعوى قضائية لتحصيل تعويض لمحمد فادي عن الشهور التي احتجز فيها بدون سبب.
لا يستطيع دائما برنامج إذاعي بسيط بطاقمه المتفاني أن يحقق هذه النتائج المبهرة. بدأ الدعم الأساسي من مكتب هنريش بل في فلسطين والأردن وانطلق المشروع الذي أرسى هذه المنصة لمساعدة العمالة المصرية المهاجرة في المستقبل القريب. وقامت المؤسسة الدولية لدعم الإعلام ومقرها كوبنهاغن بتقديم دعم مالي صغير، ولكنه أساسي ليواصل برنامج محطة مصر بثه لمساعدة العمال المصريين المهاجرين. تعتقد إدارة راديو البلد أنها يمكن أن تحصل على الدعم المالي من شركات تجارية نظرا لأنها محطة لسوق كبير من المصريين في الأردن. بغض النظر عن مصير المصادر المالية، فإن راديو البلد وفريق محطة مصر المتفاني ماضون في إطلاق هذه المنصة لتخدم العمال المصريين المحرومين.
يمكن متابعة كافة حلقات برنامج محطة مصر على هذا الموقع