بيان صحفي- لقاء طاولة مستديرة في "ماس" حول التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين في موازنة بلدية القدس والخطط الحكومية

لقاء طاولة مستديرة في "ماس"

عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) الثلاثاء 16 حزيران 2020 لقاء طاولة مستديرة (الرابع لعام 2020) بعنوان "التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين في موازنة بلدية القدس والخطط الحكومية الاسرائيلية: الأهداف، الأشكال، والتبعات"، وذلك كأول نشاط "وجاهي" يعقده المعهد ضمن ترتيبات خاصة تراعي اجراءات وزارة الصحة الفلسطينية للوقاية من فيروس كورونا بشأن ضمان السلامة والصحة العامة.

أعد وقدم الورقة الخلفية للجلسة الدكتور راسم خمايسي، المحاضر في الجغرافيا في جامعة حيفا، وأدارها السيد رجا الخالدي، المدير العام للمعهد. كما قدم المداخلات الرئيسية كل من الدكتور سعيد يقين وكيل وزارة شؤون القدس، والسيد عزام أبو السعود مدير الغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس سابقاً، والدكتور منير نسيبة مدير مركز العمل المجتمعي وعيادة القدس لحقوق الإنسان. وتم عقد هذا اللقاء بدعم من قبل مؤسسة هنريش بل-فلسطين والأردن (Heinrich Böll Stiftung Palestine & Jordan). وقد شارك في اللقاء سواء في القاعة أو عبر تقنيات المشاركة عن بعد، مدعوون من القطاعين العام والخاص وقادة سياسيين.

افتتح الجلسة السيد رجا الخالدي، المدير العام للمعهد، بكلمة تطرق فيها إلى خلفية سلسلة لقاءات الطاولة المستديرة وأهميتها في مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة وذات الأولوية لصانع القرار الفلسطيني. شدد الخالدي على سياسية التمييز الممنهجة من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته، وأن المشروع الصهيوني الذي يحظى بقوة الدولة والتي تشرع بسن القوانين وترصد الموارد المالية له. أضاف الخالدي أنه يجب من خلال هذا النقاش المستند الى تحليل علمي للمعطيات الاقتصادية والسياساتية، دراسة البدائل المتاحة للحفاظ على وحدة القدس الشرقية لمواجهة المخططات الإسرائيلية لأجل المساهمة في إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني المناقض للمشروع الصهيوني في القدس وفي فلسطين.

استعرض د. خمايسي أبرز ما جاء في الورقة التي أعدها، والتي تهدف إلى تحديد المجالات الرئيسية للتمييز الحكومي الاقتصادي والاجتماعي والمكاني والثقافي ضد المقدسيين، وفهمها في سياقها السياساتي الإسرائيلي؛ بغية استكشاف أولويات العمل المجتمعي والرسمي والدولي في سد احتياجات وفجوات التنمية في القدس الشرقية المحتلة.

وذكر خمايسي أن الحكومات الإسرائيلية طبقت قوانين قسرية بشكل انتقائي على المقدسيين. وهذه القوانين والسياسات المنبثقة عنها، حدّدت نظام ضريبة قطري وبلدي رسمي واحد مطبق على الفلسطينيين وعلى الإسرائيليين، على الرغم من وجود فجوة تصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف بين إجمالي مدخولات العائلات الفلسطينية مقابل نظيراتها من العائلات اليهودية القاطنة في مدينة القدس الشرقية والغربية، إضافة إلى وجود تمييز واضح في الميزانيات المنفقة على تطوير شرقي القدس من قبل سلطات الاحتلال. هذا التمييز أدى إلى إحداث قصور في توفير جميع مرافق البنى التحتية، وعلى وجه الخصوص الشوارع والمرافق الصحية والتعليمية. كما أن هذه السياسات لم تتعامل معهم على أساس أنهم محتلون حسب القانون الدولي، ولم تمنحهم صفة المواطنة واستحقاقاتها حسب القانون الإسرائيلي، لكنها ربما تساهم في المطالبة بتحقيق المساواة في تخصيص وصرف الميزانيات الحكومية والبلدية، ما خلق فجوات كبيرة بين الأحياء الفلسطينية والمستعمرات الإسرائيلية في القدس الشرقية والغربية. وشملت أيضاً البنى التحتية، والخدمات، وفرص التنمية والتطوير، وساهمت في تردي مستوى وجودة حياة المقدسيين، ما يؤكد على زيف الادّعاء الإسرائيلي بأن القدس الغربية والشرقية موحدة بعد الضم، وفرض القانون الإسرائيلي على القدس الشرقية باستثناء قانون المواطنة.

وفي ظل استمرار تنمية المقدسيين في هذا الحال المركب الذي تسعى السلطات الإسرائيلية إلى تعميق سياسات تمكين بسط هيمنتها وسيطرتها على القدس الشرقية، فإن المقدسيون يرون بالمقابل أن هذه السياسة لا تلبي احتياجاتهم المدنية، والاقتصادية والوطنية، ما سيدفعهم إلى دخول حالات ومواقف بها فخاخ ومصائد، تضعهم في حال متناقض بين المنفعي الفردي، والوطني الجمعي، ما سيزيد من تبرير أو تأقلم التعامل مع حالهم على أسس مركبات هجينية، تمكنهم من المعايشة لتجنب الصدام بين ما يعرف على أنه "تطبيع" أو مقاومة مدنية واعية. هذا الصدام الهجين ربما سيساهم في صراع البقاء والتنمية المشوهة والمأزومة في ظله. ولتخفيف أضرار حال الهجين للتعايش والمعايشة، لا بد من إعداد برنامج عمل شامل يمكن المقدسيين ويساعدهم في إدارة الأزمات التي يواجهونها، لتقويتهم وتعزيزهم لمرحلة تكون فيها فرص لتحقيق تسويات جيوسياسة. حتى ذلك الحين، لا بد من مأسسة العمل، من خلال إعادة بناء المجتمع ومؤسساته الاقتصادية والحياتية على أسس المقاومة المشاركة بشكل انتقائي، والاستفادة من الفرص، واتقاء الأضرار، والموازنة بين المدني والوطني دون تفريط ولا إفراط.

من جهته، سلط الدكتور سعيد يقين الضوء على السياسات الإسرائيلية الممنهجة ضد المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة المتمثلة بالتهجير، وهدم البيوت، ودعا إلى ضرورة التركيز على الهدم اليومي الذي يحصل في القدس وسياسات التطهير العرقي، وذكر يقين أن هناك 4000 وحدة سكنية تم هدمها في العام الماضي وحده، وأن هذه الأعداد في ازدياد مستمر، معتبراً هذا المنهج من أصول المشروع الاستعماري منذ بداية الصراع كجزء من السياسة الصهيونية الهادفة لتدمير واقصاء الانسان المقدسي من المدينة، مشدداً على الآثار الضارة لهذا على نفسية المقدسيين وصحتهم العقلية. في مناقشة السيناريوهات المحتملة التي طرحتها الورقة الخلفية، أشار المتحدث إلى أن القدس كانت دائما في طليعة الاحتجاج أمام الاحتلال منذ 1967 وما زالت، حتى ولو أنها وحيدة في ذلك مع الاستدراك بالمخاطر الكبيرة الكامنة في العصيان، كما أن المقدسيين سيبقون على رفضهم للسيناريو الذي قد تحبذه السلطات الإسرائيلية، أي "الاندماج غير المتكافئ" مع الاقتصاد الإسرائيلي المهيمن، ما يجعلهم يتمسكون ربما بالسيناريو الثالث المطروح، أي "المعايشة" أو الصمود في مكانهم.

بدوره استهل السيد عزام أبو السعود مداخلته بالحديث عن البدائل التي تم طرحها في الورقة، وبين أن القدس هي ثاني أفقر مدينة في دولة إسرائيل، وأن هناك 20 ألف وحدة سكنية غير مرخصة وكلها مهددة بالهدم، داعياً الجهات المسؤولة إلى اتخاذ التدابير المناسبة للحفاظ على مكانة القدس ومواطنيها. ومما يزيد الأمر سوءا أن المناطق الفلسطينية في القدس تدفع أعلى مبلغ من الضرائب، بينما تتلقى في الوقت نفسه نسبة منخفضة من ميزانية البلدية لا تتناسب مع حجم السكان.

فيما شدد د. منير نسيبة على ضرورة التركيز في الإطار النظري على مفاهيم كالتمييز والأبارتيد الى جانب الاحتلال العسكري، لفضح ومواجهة ممارسات حكومة الاحتلال، داعياً الحقوقيين إلى ضرورة تبني هذه المفاهيم مجتمعة للدفاع عن القضايا المحورية التي تهم المقدسيين في الحفاظ على حقوقهم، ودعا المواطنين المقدسيين إلى ضرورة تحصيل حقوقهم من خلال الإجراءات المتبعة مثل تسجيل الأطفال الجدد، وغيرها من الإجراءات.

فيما أكد عدد من المشاركين على أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي هي بالأساس تقوم على سياسة التمييز العنصري، ودعوا إلى أن يكون هناك خصوصية خاصة للقدس من قبل الحكومة الفلسطينية، حيث أدى الضعف المالي الذي تعاني منه السلطة إلى التخفيف من تمويل القدس.