هل سينجو الوطن العربي من التغيُّر المناخي؟

الكاتبة: صفاء الجيوسي

خاص بمؤسسة هينرش بل فلسطين والأردن

وقت القراءة: %count دقائق

يعاني العالم العربي، اليوم، من تبعات التغير المناخي بشكل كبير، فها نحن، الآن، في مؤتمر الأطراف 24، حيث تناقش دول العالم آلية تطبيق اتّفاقية باريس الموقعة في العام 2016، والحوار التيسيري المعروف بـ "حوار تالانوا"، الذي سيناقش، أيضاً، مراجعة المساهمات المحددة محلياً من الدول جميعها.  ويأتي هذا في وقت تعاني فيه الأردن من سيول جارفة، تسبب آخرها بفقدان عشرات الأرواح،[1] بينما في الكويت استقال وزير الأشغال العامة بسبب عدم جاهزية البنية التحتية للتعامل مع السيول والفيضانات،[2] أما المملكة العربية السعودية، فعانت عاصمتها الرياض ومدن أخرى فيها من الأمطار الرعدية الشديدة،[3]  فيما عانت بلادنا فلسطين من الجفاف، وموجات الحر الشديدة في الصيف.  لقد حان الوقت للتحدث عن جاهزية مدننا، ووعي أصحاب القرار والشعوب حول تبعات التغير المناخي وتأثيراته.

في بداية شهر تشرين الأول من هذا العام، قامت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ،[4] التي تتكون من مجموعة من العلماء المتخصصين، بإطلاق تقرير تاريخي يدحض الشكوك حول التغير المناخي الذي نعاني منه، والحاصل بفعل الغازات الدفيئة من النشاطات الإنسانية.

وفي تقريرها الخامس، قامت الهيئة بإصدار تقرير خاص بعنوان "الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة سيلسيوس"، تحدثت فيه عن آثار الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية، الذي يتجاوز مستويات ما قبل العصر الصناعي، والتوجهات العالمية ذات الصلة بانبعاثات الغازات الدفيئة، وما يتعلق بدعم التصدي العالمي لخطر تغير المناخ، والتنمية المستدامة، وجهود القضاء على الفقر.

وحتى اللحظة، يُقدر ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بحوالي درجة مئوية واحدة،[5] مقارنة بما قبل العصر الصناعي، وذلك بسبب النشاط الإنساني الذي ساهم في رفع نسب الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي بشكل ملحوظ.  وبحسب مسار النشاطات الإنسانية الحالي، يُتوقع أن ترتفع درجة الحرارة بما لا يقل عن 1.5 درجة مئوية مع نهاية القرن الحالي.  وقد قامت جميع الدول بتقديم المساهمات المحددة محلياً[6] لتطبيق اتفاقية باريس، التي -للأسف- سترفع درجة الحرارة بحوالي 3 درجات على الأقل، ما سيتسبب بنتائج كارثية على البشرية جمعاء.  لذلك، يقوم الحوار التيسيري الآن بمراجعة ومناقشة المساهمات المحددة محلياً، كي لا تزيد درجة الحرارة على درجتين أو أقل.

ويعتبر تقرير الهيئة الحكومية مهماً جداً؛ لأنه يذكّر الدول الآن، وهي في خضم مراجعة مساهماتها لخفض الانبعاثات، بأن ما تنص عليه اتفاقية باريس بشأن وجوب خفض الحرارة بمقدار درجتين أو أقل، هو أمر مهم، ويبين الفرق الشاسع بين الحد من درجة الحرارة إلى 1.5 بدل درجتين، وما يمكن أن يسببه نصف درجة مئوية للكوكب.

يتحدث التقرير، أيضاً، عن دول الخليج، مشيراً كم هي هشة أمام تبعات التغير المناخي؛ كالتصحر، وارتفاع منسوب سطح البحر، وارتفاع درجة الحرارة، والرطوبة، التي لن يستطيع الإنسان مستقبلاً التكيف معها إذا استمر ارتفاع درجة الحرارة إلى فوق 1.5 درجة مئوية، ولكنه، أيضاً، لفت إلى هشاشة نظام الطاقة الذي يعتمد، بشكل رئيسي، على الوقود الأحفوري (البترول، والغاز الطبيعي، ... إلخ) الذي يتطلب الانتقالُ إلى استراتيجية تخفف من حدة الاعتماد عليه (الوقود الأحفوري)، الكثيرَ من مشاريع كفاءة الطاقة، والتطور الاقتصادي في المنطقة.

نصف الدرجة الذي يشكل الفرق بين 1.5 درجة ودرجتين، بحسب التقرير، سيؤدي إلى زيادة الجفاف، وتفاقم شح المياه ويعمّق ندرتها؛ إذ ستصبح المياه في بعض المناطق نادرة جداً.  هنالك، أيضاً، تأكيد على أن فرق نصف الدرجة هذا سيتسبب بانخفاض معدل هطول الأمطار في المنطقة العربية، ولكنه سوف يزيد من حدتها عند هطولها، الأمر الذي من المتوقع أن يتسبب بالمزيد من السيول والكوارث الطبيعية.  ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن الإنتاج الزراعي سوف ينخفض بمعدل 30% في كل من الأردن ومصر وليبيا بحلول نصف القرن الحالي، إذا ما ارتفعت درجة الحرارة بمعدل درجتين فقط.

للتغير المناخي، أيضاً، أبعاد اقتصادية وسياسية، فمن الناحية الاقتصادية، يتوقع أن تتكبد الدول العربية خسائر تقدر بمليارات الدولارات نتيجةً للأضرار الناجمة عن ارتفاع منسوب المياه، والفيضانات، وبخاصة في المدن الساحلية مثل الإسكندرية، والجزائر، وبنغازي، ... وغيرها في دول الخليج العربي.

أما من الناحية السياسية، فزيادة الطلب على الموارد الزراعية والمائية، سوف تزيد من ظاهرة الهجرة الداخلية، والصراع على الموارد الشحيحة أصلاً، ما يؤدي إلى انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي، ويزيد الهجرة الجماعية.

لذلك، على دولنا العربية أن تأخذ هذا التقرير بعين الاعتبار عند مراجعتها الحالية لمساهماتها، لأن المتضرر الأول هو شعوب هذه الدول.  ولأن بعض تداعيات التغير المناخي ستحدث لا محالة، فإنه يجب العمل يداً بيد على التكيف مع هذه التداعيات والتخفيف من حدتها؛ ذلك أننا اليوم متأثرون، لكننا غداً سنصبح مساهمين بالتغير المناخي، الذي سوف يؤثر على أطفالنا وأحفادنا.  إن اعتمادنا الكلي على الوقود الأحفوري، يجعلنا أكثر هشاشةً؛ فلا تزال دولنا تعتمد عليه لتوليد الكهرباء، ولا تزال منطقتنا تستخرجه بشكل واسع، ولكن إذا اردنا أن نجد حلولاً ونساهم في إنقاذ البشرية، فعلينا أن نبقي 80% من الوقود الأحفوري في باطن الأرض، وأن نقوم باستبداله بالطاقة المتجددة، وبخاصة الشمسية منها؛ سواء عن طريق الخلايا الشمسية العادية، أو المركزة، فالشمس في منطقتنا ساطعة، والصحراء شاسعة، ويمكن أن تقوم الدول باستغلالهما، وأكبر مثال على ذلك، ما تفعله دولة المغرب العربي الآن من حيث احتضانها، في منطقة الوزازات، لأكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم،[7] وسيرها بخطى واعدة نحو توليد ما نسبته 42% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2020، وما نسبته 52% بحلول العام 2030.[8]

لنتخيل أن جميع الكوارث الطبيعية المتعلقة بحدة الطقس، وما نشهده اليوم، هو فقط بسبب ارتفاع درجة الحرارة بحوالي درجة واحدة فقط، وقد كشف لنا التقرير عما يمكن أن يحدث عن زيادة بمقدار نصف درجة إضافية فقط، فحياتنا ودولنا ستوضع على المحك، ويجب أخذ ذلك بجدية قصوى.  لكن، هنالك سناريوهات وتقارير عدة توضح ما ستؤول إليه الدول العربية إذا استمر الارتفاع بوتيرته الحالية، ووصلنا إلى ثلاث درجات أو أكثر، ومنها تقرير البنك الدولي الذي يؤكد على أن الطلب المتزايد على الموارد الطبيعية، وبخاصة موارد المياه، سوف يفضي إلى نتائج كارثية،[9] وستكون له عواقب وخيمة على البشرية والأمن الغذائي والمائي محلياً وإقليمياً.

علينا في المنطقة جميعاً العمل معاً؛ من حكومات، وقطاع خاص، ومجتمع مدني، وحركات شبابية، وأيضاً إعلام، من أجل زيادة الوعي لدى جميع الأطراف، وأصحاب القرار، لإنشاء بنية تحتية مقاومة ومرنة لتبعات التغير المناخي، لأن ما يحدث اليوم، سوف تزيد حدته غداً.  اليوم فقدنا العشرات من الضحايا بسبب التغير المناخي، ولكن مع زيادة حدة هذا التغير، للأسف، سوف نفقد أكثر من ذلك بكثير، فالحاجة ملحة للتحرك الفوري، فنحن آخر جيل يستطيع أن ينقذ البشرية من هذه الكارثة، التي، إن استمرت، سوف يكون من المستحيل حلها.