[23/05/2016
غزّة - خاصّ نوى - دعاء شاهين
دون محراث أو فأس يتنقّل المزارع إياد العطار بين محاصيله الزراعيّة في أرضه المكتسية بالأخضر رغم محدوديّة مساحتها، فهن يستخدم الأحواض المائيّة كطريقة جديدة للزراعة مستبعدًا استخدام التربة.
في أرضه التي لا تزيد مساحتها على المائتي متر مربّع، وفي بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزّة، حيث تشتهر هذه المنطقة بالزراعة كمهنة يتوارثها المواطنون جيلًا بعد جيل، يتجوّل العطار بين أحواضه المائيّة، مفاخرًا بالإنتاج الذي تحقّق أخيرًا – ’زرعة بلا تربة‘.
يقول العطار عن تجربته الزراعيّة في الأحواض المائيّة كنقلة نوعيّة فى مجال إنتاج المحاصيل المتنوّعة لأوّل مرّة على مستوى فلسطين: "منذ سنة 2012 وأنا أفكّر في الزراعة المائيّة. دفعني إليها شحّ المياه العذبة في غزّة، ومحدوديّة الأراضي الزراعيّة، وتلوّث التربة. كلّ ما أردت هو الحصول على صنف نباتيّ آمن. نفذّت الكثير من التجارب، بعضها باء بالفشل بسبب اعتداءات الاحتلال الإسرائيليّ المتكرّرة على قطاع غزّة، والتي قصفت خلالها قوّات الاحتلال الدفيئات الزراعيّة في أرضي مسببًا موت النبات، إضافة إلى قلّة التقنيّات".
بدأت قصّة نجاح العطار في الزراعة المائيّة منذ بداية السنة الحاليّة معتمدًا على خبرته وجهده الذاتيّ، وبتمويل من منظّمة الزراعة والأغذية العالميّة (الفاو). فلم يعد هناك حاجة للأدوات الزراعيّة التقليديّة، فكلّ ما يحتاجه في عمله هو قطع مربّعة مثقوبة من العازل الحراريّ الأبيض، ماء، موادّ عضويّة من مخلّفات الكائنات الحيّة، محلول مغذّي، ومولّدات كهربائيّة تسرّع ضخّ الماء.
تعتبر الزراعة المائيّة الحلّ الأمثل في غزّة بسبب تأثّر التربة بالإشعاعات والكيماويّات التي نتجت عن الصواريخ والبراميل المتفجّرة خلال الحروب السابقة على القطاع، ما أدّى إلى تحوّل لون التربة الزراعيّة في بعض المناطق التي كانت مخصّصة لزراعة أصناف من الخضروات والموادّ الغذائيّة الأساسيّة، إلى لون يميل للقتامة والأسود، وهذا ناقوس خطر.
يوضّح العطار كيفيّة الزراعة بدون تربة، رغم التحديّات التي تواجهه والتي أكبرها انقطاع التيّار الكهربائيّ لكنّه مستمرّ، حيث تمّ ملء الأحواض بالماء المخلوط بالمحلول المغذّي الذي يحتوي على عناصر غذائيّة متعدّدة، كالنيتروجين والأكسجين والكبريت، إلى جانب الكالسيوم والبوتاسيوم.
يكمل فيقول: "بعد ذلك توضع ألواح الفلّين العائم فوق الماء وهي ألواح فيها ثقوب دائريّة لتزرع عبرها النباتات، وتقوم المضخّة بمدّ المحصول بالماء حتّى تتوزّع الموادّ بالتساوي داخل جذور النبات وتمنع ترسيبها".
يتابع العطار: "إنّ مدّة حياة المحصول الزراعيّ تستمرّ حتّى ينضج، أي ما بين 21 يومًا إلى 60 يومًا كأقصى حدّ، وذالك حسب نوعه، ما بين الخسّ والبندورة والفراولة والخيار وغيرها.
تتميّز الزراعة في الأحواض المائيّة بأنّها صحّيّة وآمنة كونها لا تستخدم موادّ كيماويّة وأسمدة، ولا تستهلك أراضيًا زراعيّة. ويمكن اتّباع هذه التجربة في الأراضي المجاورة للمنزل أو على سطح المنزل".
يضيف العطار "إنّ الزراعة المائيّة تقلّل الاحتياجات من السماد والمياه إلى الثلث تقريبًا، ولا تحتاج إلى موادّ تعقيم التربة المرتفعة الثمن، والمسرطنة. بذلك يتمّ إنتاج محصول زراعيّ في وقت أقصر وبجهد أقلّ".
حسب نتائج العيّنات من التربة التي جرى فحصها في المختبرات البدائيّة لوزارة الصحّة في غزّة، فقد بلغت نسبة الخطر الناجمة عن وجود عنصر النيكل في التربة 73.2 %، في حين بلغت نسبة وجود عنصر الكروم 81.8 %، والنحاس 72.95 %، والمغنيسيوم 88.8 %، والكوبالت 98.1 %. أمّا عنصر الرصاص (الليد) فبلغت نسبته 64.1 %.
في مقابلة مع نزار الوحيدي، مدير عامّ التربة والريّ في وزارة الزراعة، ثمّن المسؤول مجهود العطار بابتكاره طريقة جديدة للزراعة غير الطريقة المتعارف عليها، مدركًا أهمّيّة هذه الأيادي التى تصنع الإنجازات رغم ضيق الحال في قطاع غزّة.
يؤكّد الوحيدي أهمّيّة هذه الزراعة معتبرًا إيّاها "نقلة دراماتيكيّة فى المجال الزراعيّ في غزّة، وتوفّر المياه والأسمدة، كما إنّها محافظة على البيئة. والنموذج الأفضل في ظلّ ندرة الموارد الطبيعيّة والزحف العمرانيّ المستمرّ، والتغلّب على مشكلة شحّ المياه في قطاع غزّة".
يتابع الوحيدي قائلّا: "إنّ الوزارة تسعى إلى نشر النظم الحديثة، وأساليب الزراعة الحضريّة لتمكين المواطن الفلسطينيّ من إنتاج غذائه بشكل صحّيّ وبأقلّ تكاليف ممكنة".
يمكن للهكتار من الأحواض المائيّة أن ينتج أكثر من 300 طنّ من الخضار سنويًّا، أي أكثر بخمس إلى عشر مرّات من إنتاج أيّ محصول تمّت زراعته في الأراضي الزراعيّة المعتمدة على التربة التقليديّة.
ينصح الوحيدي كلّ مزارع يريد أن يقوم بهذه التجربة أن يعتمد على دورات تدريبيّة تعقدها وزارة الزراعة والمؤسّسات ذات العلاقة، حتّى يكوّن خلفيّة كافية لضمان نجاح المشروع. وينصح أن يكون لديه مصدر طاقة مستمرّ ومضمون. كما ينصح باستخدام الطاقة الكهربائيّة الشمسيّة لأنّ التيّار الكهربائيّ قد ينقطع عن المضخّة، ممّا يسبّب مشاكل للنبات المزروع.
تتفوّق غزّة دومًا بكلّ المجالات الحياتيّة والمهنيّة رغم قلّة الإمكانيّات، حيث استطاع العطار ومن خلال الزراعة في الأحواض المائيّة أن يثبت بجدارة أهميّة استثمار كلّ ما هو متاح من أجل ضمان الأمن الغذائيّ والتغلّب على كلّ المعوّقات، بل والتفكير في التصدير أيضًا. هكذا يتمكّن المواطنون الفلسطينيّون في قطاع غزّة، ورغم سعي الاحتلال لتلويث التربة، من إنتاج محاصيل زراعيّة دون سموم.
[gallery]
نشرت في الأساس باللغة العربيّة على موقع شبكة نوى.