تزويج الصغيرات.. جريمة ستارها العادات والتقاليد

وقت القراءة: %count دقائق

غزة-نوى-شيرين خليفة:

نادمة آيات "18عام"، على تلك اللحظة التي تخلت فيها عن طفولتها لتقبل بالزواج من شاب عشريني ظنته فارس الأحلام الذي سيحقق لأميرته كل الأمنيات، "صبية" في مقتبل العمر، لم تفكر قرينتاها بعد بالزواج؛ تعود إلى بيت والدها مطلقة وتحمل بين ذراعيها طفلة ستكمل حياتها بين أبوين منفصلين.

في مقابلة مع نوى تقول آيات :"حين تقدم زوجي السابق لخطبتي قبل عام ونصف، سألني والدي إن كنت أوافق، نصحني أهل البيت بالموافقة، فقلت نعم، لم أدرك يومها أن مسئوليات الحياة كبيرة وأن الأسرة أكبر من طاقتي، لم أتحمل تدخلات حماتي وتحكمها في كل صغيرة وكبيرة، وضعف شخصية زوجي، إضافة إلى مشاكل صحية نتيجة الحمل في سن مبكر، عدت لأهلي طالبة الطلاق، ولأن والدي كان يعلم بحجم معاناتي معهم، أيدني في ذلك".

ندم وفات الأوان

أما والدها الذي جلس غير بعيد أثناء الحوار، بدا شديد الندم على هذه التجربة، محاولاً إيجاد المبرر فقال :"كل البنات تتزوج على هذا العمر، وفعلت ما يفعله الناس، الجميع امتدح العريس، فوافقت وسألت ابنتي فوافقت، ضيعت ابنتي البكر بسبب أطباع تعودناها، ولكن هذا هو النصيب".

وإذ يقر الأب بأن ابنة 16 عام لا تعي معنى الموافقة، لكنه قال بأن ابنته أيضاً لم تجبر على الزواج، أما والدتها، فاعتصرت ألماً وهي تقول :"حتى أنا تزوجت مبكراً وعانيت كثيراً مع عائلة زوجي، لكن ما جعلني أكرر التجربة أن زوجي كان يقف معي، فلم أتوقع ما حدث لابنتي".

ظاهرة قديمة

"يا يما يا يما شدي مناديلي,, وطلعت يا يما ما ودعت أنا جيلي"، أغنية ما زالت تذكرها أم محمود من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حين غنتها النسوة في عرسها عندما بلغت 16 من العمر، كغيرها من الصغيرات ما زالت تذكر أم محمود أنها لم تستشار في زواجها إلا من موافقة شكلية اضطرت لها طاعة للأب الذي منح الموافقة مسبقاً للعريس المتقدم.

أم محمود وهي أم حالياً لأحد عشر فرداً تعاني عدة أمراض بدأت معها منذ حملها الأول-كأحد الأعراض الصحية للزواج المبكر- تعلمت من تجربتها لتصرّ على عدم تزويج أي من بناتها قبل عمر 22 عام، وهكذا نفذت.

أما جارتها أم هيثم، والتي تصر على أن زواجها المبكر كان خطأ ارتكبه والدها بحقها، فعادت لتكرار ذات التجربة مع بناتها بداعي، أن كل البنات تتزوج في هذا العمر، ولا تريد الإضرار بمصلحة بناتها.

وتقول :"تعرضت للكثير من المشاكل الصحية نتيجة للزواج المبكر، كذلك عانيت نفسياً عدم القدرة على التأقلم مع الوضع الجديد خاصة أنني تزوجت في بيت عائلة، لكني مضطرة لتزويج بناتي في هذا العمر، فقد "يفوتهن القطار".

ثم تدخلت أم محمود لتقول :"المشكلة ليست في النساء وإنما في الرجل الذي يملك الكلمة على البيت، هو الذي يقبل وغالباً تفشل المرأة في جعله يتراجع عن رأيه، ولا ألوم الفتيات الصغيرات فهن لا يعرفن ما يعنيه الزواج المبكر".

مركز شؤون المرأة تنبه للظاهرة مبكراً، ساعياً إلى تحليلها، فأجرى دراسة كيفية حول أسباب الزواج ونتائج الزواج المبكر، بعنوان "تزويج الطفلات"، كان من أبرز أسباب التزويج المبكر هو العادات والتقاليد ثم زواج الأقارب، في حين أجابت غالبية النساء المبحوثات أنهن تعرضن للعنف خلال فترة زواجهن.

يشار إلى أن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وثق حتى العام 2012 أن 36% من المتزوجات هي لفتيات صغيرات دون سن 18 عام.

الدراسة التي كانت وصفية تحليلية أكدت أن تزويج الصغيرات جريمة تحرمها طفولتها وحقوقها خاصة حقها في التعليم وفي صحة جسدية ونفسية سليمة، خاصة أنها لا تكون قد اكتملت جسدياً ونفسياً وعاطفياً.

جريمة

في مقابلة مع نوى تقول هداية شمعون منسقة برنامج الأبحاث والمعلومات بمركز شؤون المرأة، أن المركز كان قد أصدر كتاباً وثق فيه قصص 100 امرأة تعرضن للزواج المبكر، بعنوان "جسد بلا روح"، وكم المعلومات التحليلية التي وفرتها الدراسة كانت مهمة للمرحلة الثانية من المشروع.

وأضافت أن المرحلة الثانية كانت عبارة عن تنفيذ ورشات عمل للفتيات من سن 14-18 عام لتوعيتهن بمخاطر الزواج المبكر، من خلال عرض فيلم وثائقي بعنوان "كنت طفلة" تم إنتاجه عبر برنامج الفيديو بمركز شؤون المرأة، ويحكي قصص نساء من قطاع غزة تعرضن للزواج المبكر.

وتابعت بأن البرنامج نفذ 28 جلسة مع الفتيات في حين ينفذ برنامج الفيديو 140 جلسة مع نساء ورجال من مختلف مناطق قطاع غزة, بهدف التوعية بمخاطر تزويج الصغيرات، مع التركيز بشكل أكبر على المناطق التي ترتفع فيها نسبة تزويج الصغيرات.

وأشارت شمعون إلى أن المشروع تم تسميته تزويج الصغيرات، لأن الصغيرة حتى وإن وافقت فهي لا تعي حقاً معنى ان تصبح زوجة ولديها مسئوليات.

جدل الصغيرات

في إحدى جلسات التوعية حيث تواجد فريق شبكة نوى، أعربت فتيات عن عدم قبولهن لفكرة الزواج المبكر، إحداهن هي الفتاة أسيل مخطوبة "16عام" منذ شهر، تقول بأنها لم تجبر على الزواج، فحتى زوجة أخيها تبلغ من العمر 14 عاماً متزوجة منذ عام ولم تعاني من مشاكل كما تعتقد أسيل، وتضيف أن جزءاً من تقاليد الناس الزواج بهذا العمر.

لكنها أسيل عادت لتقول أن زوجة أخيها تعاني من مشاكل صحية نتيجة الحمل في سن صغيرة، وتعرب عن أملها ألا تواجه مثل هذه المعوقات.

تخالفها الرأي زميلتها مريم "17عام" إذ تجيب أسيل :"لا تعتقدي هذا، أمي تزوجت في سن مبكرة جداً، وتعرضت لمشاكل صحية ما زالت حتى الآن تعاني منها، أنا لن اكرر تجربة أمي وهي تؤيدني في هذا، لكن أنصح أسيل بأن تعطي نفسها وقتاً قبل أن تفكر في الإنجاب حفاظاً على صحتها".

أما زميلتهم دانا  17عام فقالت :"صحيح أمي تزوجت في سن مبكرة، لكنها ووالدي لن يفعلوا ذلك معنا، والدي قال بأنه لن يزوجنا مبكراً مهما حدث، وأنه لن يخضع للعادات والتقاليد".

وتعتقد دانا أن قرار تزويج الفتاة بيد الأب قبل الأم والفتاة، لذا من الضروري التوجه للآباء قبل الجميع، فعندما يوافق الأب لن تجرؤ الفتاة ان تقول لا، مؤكدة ان ما يساعدها حقاً على عدم الموافقة على أي من المتقدمين لخطبتها أن والدها يرفض الفكرة وإلا لكان الوضع أصعب بكثير.

في جلسة أخرى حيث كانت تعقد لسيدات قالت أم ناهض من جباليا شمال قطاع غزة، صحيح أنني عانيت من الزواج المبكر لكني لن أتمكن من الوقوف في وجه زوجي إذا وافق، هذه ظاهرة تحظى بقبول اجتماعي وحتى بموافقة القضاة انفسهم، لماذا لا يكون هناك تحركاً قانونياً.

تساؤل منطقي تطرحه ام ناهض، فما دام الأمر متعلق بالقانون الذي يسمح بتزويج الصغيرات دون سن 18 عام، فمن المؤكد ضرورة أن يكون التحرك القادم لتعديل قانون الأحوال الشخصية المتنازع في هذا البند مع قانون الطفولة الذي يؤكد أن سن الطفولة في فلسطين هو حتى 18 عام لكلا الجنسين.