رغم ضبابية الواقع تشكيليون يصنعون الحياة في غزة بالألوان

غزة- خاص نوى-  دعاء فايز

رغم رمادية الصورة التي يعيشها قطاع غزة، منذ أخر عدوان، إلا أن ريشة فنانين وفنانات، لم يستسلموا لواقعهم، ولوّنوا الميناء والنزوح وعبروا عن همهم العام والخاص، رغم التحديات والمعيقات التي تواجههم في مدينة غزة المحاصرة.

"الفنان صاحب رسالة قوية، فهو جزء لا يتجزأ من وطنه، ومن قضيته الفلسطينية"، كهذا وصف الفنان التشكيلي، شريف سرحان، مواليد عام 1976، دور فنه في خدمة قضيته.

رغم التحديات التي تواجه سرحان بعمله الفني، إلا أنه يصنع من أفكاره قصصا إبداعية عديدة بأسلوب خاص، يغلب عليه فنه الطابع المعاصر، والواقعي المتنوع، مازجا التصوير الفوتوغرافي، والتركيب، والتشكيل، مستخدمًا الحروف العربية في بعض أعماله، المعروضة في محترف شبابيك الذي شارك في تأسيسه وزملائه، يقول سرحان:" الفن التشكيلي يعاني من ضعف الإمكانات المادية، ونقص الخامات والألوان فنحاول إيجاد البدائل حتى وإن كان سعرها مرتفعُا فـ"للضرورة أحكام"، واصفًا طموحه:" أريد أن أوصل الفن التشكيلي العالمية؛ للتعبير عن القضية الفلسطينية رغم الظلمات التي تواجهه".

أعمال شريف سرحان اخترقت الحصار وإغلاق المعابر، وشارك بعدة معارض فنية خارج حدود الوطن، دون حضوره الشخصي.

مشكلات عدة تواجه الفنانين التشكيليين إلا أن انغماسهم بالفن والوطن أعطاهم رونقا خاصا ، فالفنانة هناء حمش، لم تنحن إرادتها للعقبات التي ذكرها سرحان، بل أعطتها دافع أكبر للعمل والاجتهاد فهي حكاية ريشة تروى تفاصيل شعب ، بلوحات متعددة ومختلفة تعبر بها عن صعوبة الواقع الذي تعيشه، وتلفت أنظار العالم له.

تقول حمش: "عشت حياتي بمرسمي وبين لوحاتي ولكن الحرب الأخيرة على غزة دمرت جميع ممتلكاتي ، فلم أيأس وحاولت إخراج ما تبقى من اللوحات من تحت الركام، وأقمت معرضًا وأسميته "غزة 52"، متابعة: "أردت من المعرض أن أثبت للعالم كله أنني فنانة من غزة لا يمكن أن يعيقني شيء".

نوهت حمش إلى معيقات كثيرة تؤثر على الفنان، تذكر منها: عدم الوعي الكافي بالفن التشكيلي، وعدم القدرة على اقتنائه بسبب سوء الوضع الاقتصادي، ناهيك عن غلاء سعر اللوحات لتصل إلى 500 دولار ثمنا للوحة الواحدة.

حاولت حمش استقطاب فنانين من أوروبا للمشاركة بالمعارض التي تقيمها بغزة؛ لتظهر للعالم أن غزة منبر واسع لجميع الأجناس والإبداعات الفنية. كما لقبت بسفيرة المرأة الفلسطينية كمكافئة مُنِحت لها من خلال معرضها "امرأتان من أذار" .

 الفن التشكيلي بغزة لم يتوقف على الرسم، وإنجاز اللوحات بل الحيطان هدف الفنانين أيضا، وهو ما أطلق عليه (فن الشوارع ) وهو فن تميز بخطاب الجمهور الوطني، وكانت الفنانة "دالياعبد الرحمن" واحدة من فنانات الشوارع، وهي صاحبة فكرة تلوين ميناء غزة مما أضفى عليه طابعا فنيا جذب المصطافين من كل أنحاء القطاع.

ولا يمكن غض الطرف عن الفنان "اياد الصباح "المتخصص بفن النحت، وقد نفذ بغزة أشهر التماثيل أهمها الجندي المجهول وساحة فلسطين وسط غزة والعودة بخانيونس والشهيد الدمروه برفح وأخر تماثيله كان تهالك في الشجاعية يروي من خلاله قصة نزوح أهالي الشجاعية في الحرب الأخيرة .

يقول صباح بحديثه لنوى : "يعاني مجتمعنا من مشكلة قلة إدراكه بأهمية الفن ودوره الحقيقي والفعال في إنجاح أهدافه الوطنية والمقاومة". معزيا ذلك لعدم اهتمام المسئولين والدولة باقتناء أعمال الفنانين ودعمهم. مضيفًا" "نحن محرومين من بطاقة "فنان" التي تسمح لنا بدخول متاحف العالم مجانا كأقراننا، ناهيك عن قلة الفرص".

فايز الحسني رئيس جمعية رواسي للثقافة والفن التشكيلي بغزة أوضح أن أعداد الفنانين التشكيليين بغزة كبير وبحاجة لدعم وتطوير دائم من خلال الدورات التدريبية والمعارض التي تساهم في نشر الفنان وانتشار لوحاته.

 وبين الحسنى، أن هناك صعوبات كثيرة تعيق عمل جمعيته بشكل خاص والفنانين بشكل عام، أبرزها عدم وجود نقابة للفنانين، رغم وجود جمعيات حاضنة لبعض الفنانين، منوهًا أن ذلك قد يساهم في تراجع الاهتمام بالفن التشكيلي، واهماله، مطالبا بضرورة وجود دعم حكومي للفن التشكيلي بإنشاء متاحف خاصة لاحتوائه.

رغم التحديات، تبقى رسالة وريشة الفنان في غزة،  وإبداعاته طريقا سرمديا يعطي فيه غزة معنى آخر للحياة.