"التكتك" و"شنطة" السيارة ولا احد يكترث! طلبة المدارس يستخدمون وسائل نقل غير آمنة

دير البلح- خاص نوى- وفاء أبو خصيوان

هدى أبو غراب 10 سنوات، طالبة بمدرسة العائشية، في دير البلح، تذهب لمدرستها التي تبعد عن منزلها قرابة الـ 3 كيلو متر، تارة تركب السيارة، أو تمشي مرات كثيرة.

مشهد هدى وصديقاتها في السيارة يبدو صعبا، عندما شاهدتهم بعينيّ وغيرهم من طلبة المدارس، يُلْقّون في سيارة صغيرة، بحجم علبة السردين، لا يهم في مقدمتها، أو في مؤخرة السيارة" شنطة السيارة " يجلسون على اسطوانة الغاز التي قد تنفجر فيهم بأي لحظة دون اهتمام أحد.

تقول هدى الطفلة بضفيرة واحدة“ السواقين ما برضوا يركبونا معهم، علشان بندفع "نص" شيكل، وحتى ما أتأخر عن المدرسة بركب في "التكتك"، بكون زحمة كثير، وفي سواق ثاني ركبنا في "شنطة" السيارة فوق جرة الغاز.”

عند" جسر المشاعلة "جنوب مدينة دير البلح نزل 10 أطفال يرتدون الزي المدرسي، من سيارة من نوع الـ "سوبارو"، تجمعوا عند "شنطة" السيارة يبحثون عن حقائبهم والسائق يصرخ عليهم بأعلى صوته.

تحدثت مع احدهم، اسمه محمد سلوت 9 سنوات، قال“ السواق حكالي إذا بدك تروح مع باقي الأولاد اركب في "شنطة" السيارة، واركبت وطول الطريق، وأنا خايف من الجرة" أنبوبة الغاز" أن  تنفجر أو شنطة السيارة توقع على راسي أنا والأولاد اللي معي، ولا مرة بعيدها وبقعد في الشنطة حتى لو بدي أروح مشي على المدرسة".

بعض الأطفال يوفر لهم آبائهم سيارات خاصة تقلهم للمدرسة، وهم ممن يعيشون وضع اقتصادي جيد، أما من يعيشون وضع اقتصادي سيء، يكون خيارهم إما السير على الأقدام لمسافات طويلة، أو يُلْقون في شنطة السيارة، وبتكدسون في مقدمتها، أو في "التكت" بمبلغ اقل.

في حوار مع عدد من السائقين الذين ينقلون طلبة المدارس، أكدوا أنهم حريصون على سلامة الطلبة لتجنب الحوادث، ويشيرون إلى التزامهم بالعدد القانوني والمسموح فيه لحمولة المركبة، السائق أبو محمد 40 سنة، يفتح باب السيارة ينادي على الطلبة، ويشير بيده لـ 5 طلاب بالركوب وتوصيلهم لبيوتهم، يقول“ أعمل سواق سيارة من ١٥ سنة، وبركب اولاد مدارس دايما، واهل الطلبة اغلبهم بعرفوني، بحافظ على الاولاد وبخاف عليهم، ما بركب أولاد زيادة عن حمولة السيارة حتى نوصل البيت بسلام جميعا ".

على عكسه، يستغل بعض سائقي السيارات، والتكتك الطلبة الذين تبعد المدرسة عن بيوتهم، ويزجون بهم بالأخطار، ويكونون عرضه للحوادث، ذنبهم أنهم يسكنون في مناطق نائية بعيدا عن الطرق الرئيسية التي تساعدهم في الركوب في السيارات بأمان.

على الجانب الآخر من الشارع، يقف سائق التكتك، رفض ذكر اسمه، في العشرينات من العمر، يقول" في ساعات الصباح أنقل عدد من طلبة المدارس في المرحلة الابتدائية من جيراني إلى مدارسهم، وأعيدهم إلى منازلهم عقب انتهاء الدوام المدرسي، يذهب الطلاب في"التكتك" لأنه الوسيلة الأرخص بحسب قوله، يتكدسون فوق بعضهم البعض، بسبب بُعد المدرسة عن بيتهم كثيرا، فلا يجدون وسائل مواصلات تنقلهم إليها، وهم يعيشون ظروف صعبة".

هل يعي الأهالي ما يحدث لأبنائهم؟، أم محمد والدة لـ 5 طلاب يدرسون في المدرسة بأعمار متفاوتة  تقول" الأولاد بطلعو من الصبح على المدرسة، وبرجعو قبل الظهر بكون مشغولة بالبيت وبالتنظيف وتوفير متطلباتهم، ما عندي وقت اسألهم عن دراستهم، إلى هنا توقفت، كنت في وقت سابق قد عرضت عليها صورة من هاتفي النقال، صُدمت: هذه صورة بنتي، حبيبتي يمّا! تقول:" بعد ما شفت صورة بنتي، وهي قاعدة في شنطة السيارة فوق جرة الغاز، بطلت استوعب اشي، وحسيت للحظة اني هأفقد بنتي لو انفجرت الجرة، علشان هيك صرت أقف معها الصبح حتى تركب في السيارة، واقعد مع أبنائي، واسرق من وقتي لأسالهم شو بصير معهم في المدرسة حتى ما افقدهم".

نوى توجهت لسؤال المقدم إبراهيم أبو جياب مدير عمليات المرور في غزة عن مسؤوليتهم إزاء ما شاهدته، من طلبة المدارس وهم يجلسون في شنطة السيارة فوق أنبوبة الغاز،  أجاب" هذا المشهد خطر على حياة الطلبة"، مشددًا على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق السائق المخالف للقانون، وسحب رخصته، واعطاءه دورة تأهيلية جديدة حتى لا يستهتر بأرواح الناس" ، مشيرا أن شرطة المرور تقوم بحملات ضد السيارات غير القانونية، خاصة التي تعمل على الغاز، وتقوم بمتابعة الحافلات التي تقوم بتحميل زائد للركاب، كالتكتك باعتباره مركبة تجارية وليس لنقل الأطفال، فتقوم الشرطة باحتجاز التكتك المخالف للقانون، ومصادرة أنبوبة الغاز.

يؤكد أبو جياب على ضرورة التعامل بين المدرسة وأولياء الأمور وشرطة المرور؛ لزيادة الوعي والثقافة المرورية لديهم، في ظل التكدس السكاني الكبير في قطاع غزة، وبالتالي إنشاء مدارس جديدة، مشيرًا أن عدد شرطة المرور غير كاف لتغطية كل المدارس، ولكنهم يقوموا بإرسال مرشد مروري لكل مدارس القطاع لتوعية الطلبة المرورية، وكيفية الحفاظ على سلامتهم الامنية .

يأمل أبو جياب بناء جسور مشاه عند مجمعات المدارس الواقعة على الطرق الرئيسية، خاصة شارع صلاح الدين السريع، ولكن بسبب الحصار وعدم توفر مواد البناء، وتدمير الاحتلال للبنية التحتية للشوارع الرئيسية، يُعيق بناء الجسور.

 ستتذكر هدى من طفولتها عندما تكبر ، أنها كانت تركب في "شنطة" السيارة، للوصول الى مدرستها، في قرن وصلت فيه العالم بالتكنولوجيا إلى ما وصل إليه.