بقلم حسين محسن الكسواني
لقد اجتمعت الدول الأعضاء في اتفاقية التغير المناخي التابعة للأمم المتحدة في مؤتمر الأطراف التاسع عشر في جمهورية بولندا باستضافة مدينة وارسو من 12 حتى 23 من شهر نوفمبر المنصرم. لقد جاء المؤتمر في أجواء باردة تتميز بها مدينة وارسو وقد كان واضحا أن البرودة لم تقتصر على أحوال الطقس بل تعدت لتصيب الأجواء السياسية في أروقة وقاعات المؤتمر فبدت المبادرات والحلول السياسية محدودة وانعكس ذلك على طموح وآمال المشاركين والمتتبعين لأكبر تجمع مختص بتغير المناخ سنويا.
بعد القراءات المبدئية لمجريات المفاوضات واستقراء لمواقف البعثات الرسمية في خضم الحدث, بدى واضحا منذ البداية ان أكثر الموضوعات طرحا في وارسو هو التعويض عن الخسائر والدمار ويبدو أننا أمام مؤتمر يخلو من التقدم واحراز نتائج تفاوضية على أرض الواقع في كافة المواضيع المحورية مثل التخفيف والتكيف وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا. وقد تقدمت كل من الصين والهند والبرازيل بمقترح تفصيلي حول آلية جديدة للتعويض عن الخسارة والدمار يحتوي انشاء جهة مسؤولة لمتابعة وتنسيق التعويض عن الخسارة والدمار، وقد كان المقترح نقطة بداية مهمة في المفاوضات حول الموضوع.
شهد العالم تزايدا ملحوظا في الأحوال الجوية القاسية متمثلة في زيادة الأعاصير والفيضانات وزيادة حالات الجفاف في العالم متوافقة مع ما توقعه العلم بل وتجاوزت الحدود التي كانت متوقعة(تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ 2007). إن خلفية ظهور مبدأ التعويض عن الخسائر والدمار كانت على خلفية إقرار المجتمع الدولي استحالة الحيلولة دون وقوع نتائج التغير المناخي وصعوبة التكيف مع الآثار المتزايدة لتغير المناخ، وعليه فان النتائج المتبقية بعد اجراءات التكيف هي ما يلزم التعامل معه في آلية التعويض عن الخسائر و الدمار وايجاد السبل لتعويض ومواساة المتعرضين لهذه النتائج بالإضافة لمحاولة إصلاح وترميم الدمار الناتج. وبكلمات أخرى، مفهوم التعويض عن الخسائر و الدمار وجد ليعبر عن إجراءات ما بعد التكيف.
من حق الدول المتأثرة بالتغير المناخي طلب التعويض وهو أمر مقبول من كافة أطراف المفاوضات لكن تكمن مخاوف الدول المتقدمة في الالتزامات الضمنية التي قد تؤدي للتراخي على صعيد التكيف وقد تفشل المبادرات المستقبلية فعلى سبيل المثال لا الحصر موقف الولايات المتحدة يتمثل برفض تشكيل آلية خاصة بالتعويض عن الخسائر و الدمار ولكنها تعتبر المفهوم مقبولاً من حيث المبدأ، وهو تخوف غير مبرر حيث أن آثار التغير المناخي والأضرار المصاحبة لها قد بدأت فعلا ولا يمكننا القول أن التكيف يحدث الآن على قدم وساق! على الأقل وجود آلية أو هيئة متخصصة للعمل على التعويض عن الخسائر و الدمار قد يسمح بفعل شيء على أرض الواقع. لكن يبقى التحدي الأكبر هو توفر الأموال لرفد آلية اضافية، مع العلم أن الآليات الأخرى التابعة لاتفاقية التغير المناخي تعاني من نقص شديد على المستوى المتوسط والطويل الأمد حيث أن الدول المتقدمة لم تقم بتلبية الطموحات وحتى الاقتراب من المبالغ التي تم التوافق عليها في مؤتمر الأطراف في اتفاقية التغير المناخي الخامس عشر في كوبنهاجن والتي من المفترض أن تصل لقيمة 100 مليار سنويا انطلاقا من العام 2020 .
بعد نقاشات و مفاوضات مطولة خلال الأسبوع الأول من المؤتمر، اتفق المفاوضون على رفع الموضوع ليناقش على المستوى الوزاري ومن خلال الأسبوع الثاني تم التفاوض لأيام عديدة وساعات مديدة للوصول لإتفاق على إنشاء آلية جديدة مختصة في التعويض عن الخسارة والدمار للدول النامية، واطلق عليها آلية وارسو للتعويض عن الخسارة والدمار وتندرج تحت مظلة هيكل كانكون للتكيف، وتتمحور حول تعويض الدول النامية عن الخسائر التي تصيبهم من أثر الأحوال الجوية القياسية والآثار المتراكمة طويلة الأمد. وقد تم إنشاء لجنة تنفيذية للآلية الجديدة ويترتب عليها مهمة تنفيذ الآليات لتعريف وتحديد الآثار الناتجة عن التغير المناخي وتحديد فجوات المعرفة بالإضافة لتحديد الآثار على النوع الإجتماعي وتحسين التواصل والتنسيق والعمل المشترك بين الأطراف ذات العلاقة، وأخيراً وليس آخراً تحسين التنفيذ والدعم بما يشمل تحصيل التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات. إنه لتطور مهم الذي شهدته وارسو بإنشاء آلية وارسو للتعويض عن الخسارة والدمار ونأمل أن تكون خطوة في الإتجاه الصحيح ومع وجود إمكانية مراجعة لتكوين الآلية وفعاليتها في مؤتمر الأطراف الثاني والعشرون، كلنا أمل وطموح أن تلعب دوراً مهماً في تخفيف مصاب المتضررين من آثار التغير المناخي المتزايدة.