بقلم حسين محسن الكسواني
بدأ مؤتمر الأطراف التاسع عشر لإتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ في مدينة وارسو بجمهورية بولندا مصحوباً بكثير من التوقعات على صعيد التمويل وقد اعتقد أنه سيكون مؤتمر الأموال بالإضافة لكثير من الآمال بخصوص الخروج بآلية معنية بموضوع التعويض عن الخسارة والدمار. ولكن وبعد مرور الأيام بدى للمراقبين عن كثب أن لا تقدم يحرز بخصوص التمويل والحاجة لرفد صناديق المناخ بالأموال من قبل الدول المتفاوضة بل على العكس تماماً بدأت الدول بالتملص من وعود التمويل التي قد ضمنتها من خلال مؤتمر الأطراف العام السابق في الدوحة. الأوضاع الموجودة حالياً تزيد من صعوبة التوصل لاتفاق حول شكل ومحتوى الاتفاقية المزمع اطلاقها في باريس عام 2015، والتي من المفترض أن تلزم جميع الدول بفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة ابتداءاً من العام 2020. الحاجة للتمويل الآن ضرورة حيث أن صناديق المناخ بدأت تنفذ والحاجة ملحة لتقديم الدعم للدول المحتاجة له ولإنقاذ الصناديق من الركود مثل صندوق التكيف، ولضخ الدماء في صندوق حديث مثل صندوق المناخ الأخضر الذي بدأت ملامحه تتضح دون وجود أموال كافية تؤهله للعمل. إن التغيرات السياسية والاقتصادية المحلية للدول كافة تلقي بظلالها على نتائج مؤتمر الأطراف وتحديداً على استعداد الدول لتقديم الدعم المادي المرجو خاصة في الفترة ما بين عام 2012 حتى عام 2020 حيث من المفروض بدأ الاتفاقية الجديدة (باريس).
إن مؤتمر الدوحة قد أوجد لنا حلولاً مؤقتة العام المنصرم ويتحتم البناء عليها في مؤتمر وارسو هذا العام، وسواء أحببنا ذلك أم لم نحببه! فإن اتفاقية التغير المناخي التي يجب التوصل لها قد أجلت للأعوام القادمة، مع العلم أن التخفيضات المتفق عليها في الفترة الثانية (التمديد) لاتفاقية كيوتو لا تتجاوز 15 بالمائة من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة، واذا أخذنا بعين الاعتبار الحاجة الملحة للبدء فوراً بتخفيض الانبعاثات مدعومة بنتائج تقرير المجموعة رقم واحد للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي (IPCC) التي صدرت في شهر 9 من هذا العام والتي تؤكد على أثر الإنسان في تغيير المناخ، فإننا نستنتج أن علينا تخفيض ما هو أكثر من 15 بالمائة. إن تقارير بعض الهيئات والمنظمات الدولية المعنية مثل برنامج البيئة في الأمم المتحدة (UNEP) يؤكد أن على البشرية تخفيض ما يقارب 30 بالمائة من الانبعاثات في حلول العام 2030 متبوعاً بتخفيض ما يقارب 80 بالمائة من الانبعاثات في حلول العام 2050، هذا إذا ما أردنا تثبيت الزيادة على معدل درجات حرارة الكرة الأرضية عند درجتين مئويتين أو أقل. لكن مع انسحاب كثير من الدول المتقدمة مثل كندا من الفترة الثانية لاتفاقية كيوتو وتعنت بعض الدول الأخرى المستمر وبالإضافة للتراجع في طموح بعض الدول مدفوعاً بالظروف الداخلية والأوضاع الاقتصادية لها مثل تراجع اليابان عن وعودها بتخفيض الانبعاثات وتطالب بالسماح لها بزيادة الانبعاثات 3% تقريباً! ومع غياب قيادة فعلية كالمعتاد للاتحاد الأوروبي-الذي كان واضحاً التباين في مواقف أعضائه- وأخيراً وليس آخراً ضعف الرئاسة البولندية للمفاوضات وعدم وجود الرغبة لديها بالخروج باتفاق مهم في وارسو، كان من الصعب جداً إحراز تقدم في المفاوضات وتم الخروج ببعض القرارات والوعود المتواضعة ونذكر منها:
- إنشاء آلية وارسو للتعويض عن الخسارة والدمار وتندرج تحت مظلة هيكل كانكون للتكيف وهدفها الرئيس العمل على تعويض المتضررين من آثار التغير المناخي القياسية وطويلة الأمد.
- تشكيل هيكلية وارسو للتخفيف من تدهور وقطع الغابات (REDD+) لمتابعة المضي قدماً للخروج بآلية دعم وتنسيق العمل من الدول المتقدمة للدول النامية التي يحتل تدهور وقطع الغابات فيها حيزاً رئيساً في الانبعاثات من غازات الدفيئة.
- محاولة زيادة الشفافية حول القدرة والمبالغ التمويلية من الدول المتقدمة للدول النامية وذلك من خلال الطلب من الدول المتقدمة تحضير خطة كل سنتين لتوضيح الخطط والاستراتيجيات لكل دولة بخصوص رفع مبالغ الدعم من العام 2014 حتى 2020 حيث من المفترض أن يصل الدعم قيمة 100 مليار دولار.
- تقديم وعود لتقديم التمويل العام للمناخ من بعض الدول لدعم إجراءات الدول النامية المتعلقة بالمناخ، وقد كانت الدول هي النرويج والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية كوريا واليابان والسويد وألمانيا وفنلندا. وعلى صعيد التمويل أيضاً فان صندوق التكيف قد تم رفده بمائة مليون دولار من قبل كل من النمسا وبلجيكا وفنلندا وفرنسا وألمانيا والنرويج والسويد وسويسرا، مما يخفف الأزمة المالية فيه بشكل مرحلي. وعلى صعيد آخر وعلى خلفية إنشاء هيكلية وارسو للتخفيف من تدهور وقطع الغابات (REDD+) تم رفدها بمبلغ مئتان وثمانون مليون دولار من قبل كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والنرويج.