مقال
الصناعة النوويّة العالميّة – تقرير الوضع .... في الأردن
October 2, 2013
مايكل شنايدر
أعلنت الحكومة الأردنيّة في سنة 2007 عن نواياها تطوير برنامج سلميّ للطاقة النوويّة لإنتاج الكهرباء من أجل تلبية احتياجات البلد من الطاقة. يعتمد الأردن على مصادر الطاقة المستوردة من مثل الوقود والغاز الطبيعيّ بنسبة تصل إلى 96% من مجموع الطاقة الوطنيّ. يكافئ ذلك ما يقارب 20% من الناتج المحلّيّ الإجماليّ، ما يشكّل عبئًا ثقيلًا على الموازنة العامّة المثقلة أصلًا بالمصاريف الجارية والمعونات الماليّة.
واجه البرنامج النوويّ في الأردن انتقادًا كبيرًا من مجموعات مختلفة من الأكاديميّين الأردنيّين ومن ناشطي المجتمع المدنيّ الذين، وبدعم من الخبراء الدوليّين، شدّدوا على أنّ المشروع ليس ذا جدوى اقتصاديّة علاوة على أنّه يشكّل تهديدًا بيئيًّا جديًّا للأردن، الذي يأتي ضمن الدول الأربع الأفقر للمياه على مستوى العالم.
لقد دأبت مؤسّسة هينرش بل – مكتب فلسطين والأردن على دعم الخطاب الوطنيّ حول استراتيجيّة الطاقة في الأردن، وقد كانت البداية بأوّل نقاش عامّ حول مزايا ومثالب الطاقة النوويّة في سنة 2011. في حزيران/يونيو 2013، أي بعد عامين على النقاش الأول، دعت مؤسّسة هينرش بل وتجمّع واسع من مؤسّسات المجتمع المدنيّ الأردنيّة، دعت إلى جلسة نقاش عامّة حول "مستقبل الطاقة النوويّة في الأردن والعالم". في سياق الحدث، قدّم المتحدّث الرئيس مايكل شنايدر نتائج تقرير الوضع حول الصناعة النوويّة في العالم لسنة 2013، ليس فقط إلى جمهور جلسة النقاش وإنّما أيضًا في اجتماع مع البرلمان الأردنيّ، وفي عدد من الاجتماعات. مقالته هذه توجز التوجّهات الرئيسة في الصناعة النوويّة.
في نهاية حزيران/يونيو 2013، سعدتُ بزيارة الأردن تلبية لدعوة من مؤسّسة هينرش بل – مكتب فلسطين والأردن. الغرض الرئيس من الزيارة هو تعريف العامّة والبرلمان والصحافيّين بنتائج تقرير الوضع حول الصناعة النوويّة في العالم لسنة 2013، والذي كان مقرّرًا أن يصدر في بداية تمّوز/يوليو.
في 29 حزيران/يونيو 2013، أي يومان بعد أن غادرت عمّان، أعلن المدير العام للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة أنّ "الطاقة النوويّة ستشكّل مساهمة هامّة ومتنامية من التنمية المستدامة في العقود القادمة" 1. في الحقيقة، تشير الأحداث الأحدث زمنيًّا إلى وضع مغاير، وتؤكّد صحّة تقديرنا نحن للوضع الذي مفاده تراجع دور الطاقة النوويّة طويل الأمد في العالم.
في بداية آب/أغسطس 2013، قامت ديوك إنرجي (Duke Energy)، وهي المنشأة الأكبر في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بتأجيل تنفيذ مخطّطات مفاعلين في فلوريدا، بعد أن أنفقت مليار دولار أمريكيّ على المشروع. يأتي هذا القرار بعد ثلاثة أشهر فقط من تخلّي الشركة عن الاستثمار في وحدتين جديدتين في ولاية كارولاينا الشماليّة. وفي بداية ذات العام، قرّرت ثلاث منشآت أمريكيّة الإغلاق الدائم لأربعة مفاعلات، وهو الإغلاق الأوّل في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في غضون 15 عامًا. تمّ إغلاق واحدة من هذه الوحدات، وهي كيوونيي (Kewaunee) في ويسكونسين، رغم الاقتتال الحادّ بين المستثمرين ورغم حقيقة أنّ المحطّة كانت قد حصلت للتوّ على تمديد رخصة العمل لعشرين عامًا. لقد خلص مالكوها إلى نتيجة أنّ الطاقة التي ستنتجها لن تكون منافسة.
أمّا أكبر مشغّل نوويّ في العالم، وهي المنشأة الفرنسيّة التي تملك الحكومة أغلبها واسمها إليكتريسيتيه دو فرانس (Électricité de France)، فقد أعلنت انسحابها الكليّ من الحقل النوويّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بعد أن خسرت نحو ملياري دولار أمريكيّ في مشاريع لم تستكمل. وفي فرنسا، اعترفت الشركة أنّه توجّب عليها رفع أسعار الكهرباء بمعدّل 5% في سنة 2013، و5% أخرى في سنة 2014، وذلك من أجل تغطية بعض الخسائر الكبيرة. وفق حسابات المنظّم الوطنيّ، فقد خسرت إليكتريسيتيه دو فرانس مليارًا ونصف المليار يورو في العام الماضي لأنّ التعرفة لم تغطِّ المصروف. من الصعب اعتبار هذا سياسة يمكن التوصية بها، خاصّة وأنّ المنشأة الفرنسيّة تقرّ بعجز صافٍ يصل إلى 41 مليار يورو في نهاية سنة 2012، وتقرّ بأنّها خسرت، على مدى خمسة أعوام، 85% من قيمة أسهمها في آذار/مارس 2013.
أمّا أريفا (AREVA)، وهي الشركة الأكبر عالميًّا في بناء المفاعلات النوويّة، والتي تملك الحكومة الفرنسية أغلبها، فقد خسرت ما يصل إلى 88% من قيمة أسهمها ما بين سنة 2008 وسنة 2012. إنّها ذات الشركة التي وقّعت مع الأردن اتفاقيّة استكشاف اليورانيوم وانسحبت في وضع صعب للسوق العالميّة بعد أن تبيّن أنّ المصادر أقلّ ثراء مما أعلن في البداية. كما ترغب أريفا ببيع مفاعل نوويّ كبير في الأردن. غير أنّ الأردن يفتقد إلى المكوّنات الأساسيّة لبرنامج طاقة نوويّة تجاريّ، ألا وهي: مياه التبريد، شبكة كبيرة، التمويل، الإطار التشريعي الناظم، سلطات سلامة وأمان مستقلّة، وقاعدة مهارات نوويّة ملائمة.
يوضّح تقرير الوضع حول الصناعة النوويّة في العالم لسنة 2013 أنّ التطوّرات الدوليّة الأخيرة إنّما هي تسارعٌ لتوجّه بدأ قبل عقود. أمّا الأحداث المؤسفة في اليابان، بعد ثلاثية الزلزال والتسونامي وانهيار المفاعل النووي في آذار/مارس 2011، فإنّما تُفاقِم من صعوبات مجال صناعة باتت في تراجع طويل الأمد. فقد هبط الإنتاج النوويّ العالميّ بنسبة غير مسبوقة تصل إلى 7% في سنة 2012، تضاف إلى الهبوط القياسيّ بقيمة 4% في سنة 2011. تنتج منشآت توليد الطاقة 12% أقلّ من الحدّ الأقصى التاريخيّ لسنة 2006. ويشكّل الوضع في اليابان - من خمسين وحدة ’عاملة‘ رسميًّا، تولّد حاليًّا اثنتان فقط الطاقة، ومن المقرّر أن تغلقا في أيلول/سبتمبر 2013 من أجل التزوّد بالوقود والصيانة – يشكّل ثلاثة أرباع الهبوط العالميّ، في حين قلّصت 16 دولة أخرى إنتاجها، من ضمنها الدول الخمس الكبرى في الإنتاج النوويّ. لقد وصلت حصّة الطاقة النوويّة في إنتاج الكهرباء عالميًّا ذروتها قبل عشرين عامًا، أيّ في 1993، ومنذ تلك السنة هبطت الحصّة من 17% إلى نحو 10% في سنة 2012. وحدها جمهورية التشيك وصلت إلى النسبة الأقصى في تاريخها في العام الماضي.
تقع ثلاثة أرباع المفاعلات قيد البناء في العالم، والتي يبلغ عددها 66، تقع في ثلاث دول فقط هي الصين والهند وروسيا، منها 28 في الصين وحدها. غير أنّ تسعة من هذه المواقع هي قيد البناء منذ عشرين عامًا – أقدمها هو مفاعل واتس بار 2 (Watts Bar 2) في تينيسي في الولايات المتّحدة الأمريكيّة والذي بدأ بناؤه سنة 1972 – وأربعة أخرى هي قيد البناء منذ عشرة أعوام. في المجموع، واجهت على الأقل 23 وحدة مشاكل وتأخيرات في البناء، معظمها امتدّ إلى أكثر من عام. أمّا المواقع الأخرى الجديدة قيد البناء، فقد بدأ العمل فيها في الأعوام الخمسة الماضية وبالتالي من الصعب الحكم ما إذا كانت متأخرة في التنفيذ أم لا. في سنة 2012، ابتدأ العمل في ثلاثة مواقع، وأغلقت ستة مواقع أخرى. ومع غياب إدراج مواقع جديدة كافية، يواصل معدّل عمر المفاعلات في العالم الارتفاع بوتيرة ثابتة وهو حاليًّا يقف عند معدّل 28 عامًا.
توضّح المقارنة بين الطاقة النوويّة وتقنيات الطاقة المتجدّدة التغيّر الجوهريّ في سياسة الطاقة الدوليّة واستراتيجيّات الاستثمار. في سنة 2012، ولأوّل مرّة في التاريخ، قامت ثلاثة من أكبر أربعة اقتصاديات في العالم، وهي الصين وألمانيا واليابان، بالطبع إضافة إلى الهند، قامت بتوليد طاقة متجدّدة أكثر من الطاقة النوويّة. في الواقع، إنّ إنتاج الطاقة من الرياح وحدها في كلّ من الصين والهند، قد تجاوز إنتاج الطاقة النوويّة. عالميًّا، ومنذ سنة 2000، فقد كان معدّل النموّ السنويّ لإنتاج الطاقة من الرياح على اليابسة 27%، وللخلايا الضوئيّة الشمسيّة نحو 42%، وهي نسبة مذهلة. أدّى ذلك في سنة 2012 إلى زيادة في التركيب مقدارها 45 غيغا واط من الرياح و32 غيغا واط من الطاقة الشمسيّة، في مقابل زيادة صافية مقدارها 1.2 غيغا واط من الطاقة النوويّة. وحتّى في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، حيث الغاز المستخرج من الصخور الرخيص قد قلب الأوراق، فإنّ الإضافة على الشبكة في العام الماضي كانت أعلى من الرياح منها من الغاز. وفي الربع الأول من سنة 2013، فإنّ ما يزيد عن 80% من القدرة الجديدة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة كانت من مصادر الطاقة المتجدّدة.
حين أطلقت الصناعة النوويّة الدوليّة حملتها الترويجيّة الكبرى في بدايات القرن الحالي متّخذة شعار ’عصر التنوير النوويّ‘، حازت على اهتمام أصحاب القرار بوعود استثماريّة تتلخّص بتكلفة ألف دولار أمريكيّ للكيلو واط وفترة أربعة أعوام من البناء. منذ ذلك الوقت، تضاعفت التكلفة المقدّرة سبع مرّات، في حين هبطت تكلفة الكيلو واط الشمسيّ، في ألمانيا مثلًا، إلى ثلاثة أرباع التكلفة خلال الأعوام السبعة الماضية فقط. لقد تبيّن أنّ الطاقة النوويّة ليست فقط مكلفة جدًّا وإنّما أيضًا بطيئة جدًّا. إن متوسّط زمن بناء الـ 34 مفاعل التي بدأ بناؤها خلال العقد الماضي وصل إلى عشرة أعوام، وكانت مساهمة هذه المفاعلات ما مجموعه 26 غيغا واط فقط، أيّ ربع ما أضافته الطاقة المولّدة من الرياح والشمس خلال عام واحد فقط. في ألمانيا، تمّ ربط ما يقارب 3000 ميغا واط من الخلايا الضوئيّة الشمسيّة بالشبكة في شهر واحد فقط.
من غير الممكن اليوم بناء محطّة نوويّة منافسة جديدة في اقتصاد سوق شفّاف، من دون إعانات ماليّة حكومية كبيرة. تواجه المحطّات النوويّة الحاليّة صعوبات متلاحقة للتأقلم مع الصيانة المتزايدة بشدّة، والتكاليف المتصاعدة ما بعد فوكوشيما. وبالتالي، وبدلًا من أن تكون الطاقة النوويّة ذات مساهمة متنامية، كما ادّعت الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، يواصل القطاع هبوطه، أو حسب وصف الاقتصاديّ من جامعة فيرمونت للقانون (Vermont Law School) الاستاذ مارك كووبر (Mark Cooper) حيث أطلق على هذه التنمية وصف ’التنوير العكسيّ‘ 2.
يتوجّب على المجتمع الأردنيّ أن يمعن النظر في هذه التطوّرات الدوليّة قبل أن ينفق المزيد من الأموال العامّة آملًا في دخول تقنية آفلة تسعى الاقتصاديات الرائدة عالميًّا إلى الخروج منها.
مايكل شنايدر هو مستشار دوليّ مستقلّ في الطاقة والسياسة النوويّة، مقيم في باريس في فرنسا. وهو مدير مشروع والمؤلّف الرئيس لتقارير الوضع حول الصناعة النوويّة في العالم.
لمزيد من الإطّلاع على آفاق الطاقة النوويّة في الأردن، يمكن قراءة التعليق الذي كتبه البروفسور ستيف ثوماس من جامعة غرين ويتش لندن هنا.
____________________________________________________________________________________________
(1) تصريح لـ يوكيا أمانو في المؤتمر الوزاريّ في سان بطرسبرغ في روسيا في 29 حزيران/يونيو 2013.