مفاوضات مؤتمر الشركاء (COP18): هل من ضوء في آخر النفق؟ - الصفحة الرئيسية

وقت القراءة: %count دقائق

منى دجاني

مفاوضات مؤتمر الشركاء (COP18): هل من ضوء في آخر النفق؟

December 17, 2012

ها هي المرحلة الأخيرة من محادثات المناخ الدائرة في الدوحة، يصاحبها شعور عام بالإحباط والتلهّف والقلق. فاجتماع قادة العالم في الدوحة هو محاولة لتحقيق تقدّم بشأن اتفاقية دولية للمناخ. لكن، إلى الآن، العملية بطيئة وغير مجدية.
إلى اليوم، السادس من كانون الأول/ديسمبر 2012، لم تؤخذ أية قرارات جوهرية، وذلك مع فشل الرئاسة القطرية للمؤتمر في اتخاذ موقف حاسم أو لعب دور مفتاحي في دفع الأطراف إلى تقديم تعهّدات ملموسة. لقد كان "فقدان القيادة" هو ما شعر به وعبّر عنه الكثير من المدونين والناشطين وأعضاء الوفود، وذلك بعد أيام معدودة من بدء المؤتمر في السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

لقد سافر ممثلو الحكومات آلاف الأميال آتين من جميع أنحاء الأرض إلى الدوحة للمشاركة في وضع الاتفاقيات وآليات النقاش من أجل المضي قدمًا في مفاوضات المناخ. المواضيع الملحّة كثيرة، فمنها قضايا تتعلق بصندوق المناخ الأخضر، وأخرى بخفض الانبعاثات، وفترة الالتزام الثانية لبروتوكول كيوتو. لقد كانت توقّعات المجتمع المدني في العالم أجمع وفي دول العالم النامي أن يخرج اجتماع الشركاء هذا بتعهّدات طموحة حول خفض الانبعاثات، وأن يتمّ الاتفاق على مرحلة التزام ثانية بالاتفاقية الوحيدة الملزمة ألا وهي بروتوكول كيوتو، وأن يبدأ ضخ المليارات من الدولارات التي وعدت بها الدول المتقدّمة حتّى عام 2020 في صندوق المناخ الأخضر. لكن في ظلّ النكسات المالية التي تلوح في أفق الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي، لا يبقى سوى القليل من الأمل في حصول الصندوق في نهاية هذا المؤتمر على أيّة أموال. بل على ما يبدو، فإنّ أفضل ما يمكن الحصول عليه هو مزيد من الوعود من دون فترة التزام أو حتّى تحديد للمبالغ. في هذه الساعات الأخيرة، وعلى مدار الساعة، يعمل المجتمع المدني والناشطون الدوليون من أجل التأثير على الوفود وفضح تقصير الحكومات. كما يجدّون في ممارسة الضغط على الأطراف لرفع مستوى المفاوضات وللبدء في وضع التعهّدات والالتزام بها. إنّ المجتمع المدني في العالم العربي يراكم قوة اندفاع لحملات الضغط الخاصة به، ولأول مرّة يشارك بفاعلية في التأثير على مواقف الحكومات فيما يتعلّق بالسياسات البيئية.

رغم أنّ التغيّر المناخي ليس من أولويات المواطن العربي العادي، إلا أنّ تأثيره كبير على حياة الناس. فنحن في حاجة إلى الكثير من العمل على المستوى المحلي والوطني والإقليمي من أجل تخفيف آثار التغيّر المناخي، ومن أجل تدعيم قدرات المجتمعات الهشّة وعالية التأثر بالتغيّر المناخي. لقد أتى ممثلو الدول العربية إلى الدوحة بقناعة مسبقة بأنّ دورهم وأيّ تعهد يقدمونه سيكون ثانويًا، وفي شكل ما غير ذي أهميّة، بالمقارنة مع ما على الدول الصناعية الغنية أن تقدّم. لكنّ بات من الضروري أن يتغيّر هذا الشعور بأنّهم ضحايا، فالناشطون الشباب يراقبون ممثلي حكوماتهم والمواقف التي يتّخذون، ويحاسبوهم على ما يقومون أو لا يقومون به. لقد عايشت الدول العربية في شكل مباشر كيف ارتفع سقف المطالب لدى الشباب العرب في الدوحة. وقد كانت جلية مثابرة الشباب لأن يكونوا جزءًا من عملية اتخاذ القرار. إنّ مطالبتهم بمساحة ضمن المؤتمر للاجتماع بممثلي دولهم، إنّما شكّلت إقصاءًا للحدود من أجل جعل أصواتهم وهمومهم مسموعة. لقد كانت لهم مطالب واضحة واستراتيجية: أن يكونوا جزءًا من عمليات اتخاذ القرار؛ وأن يحظوا بدعم الحكومات ليستمرّوا في العمل ضمن مجتمعاتهم من أجل التخفيف من آثار التغيّر المناخي، ومن أجل دفع حكوماتهم لتقديم تعهّدات طموحة وتقدّمية بحيث يصبح هناك خطط وطنية شفافة وتشاركية من أجل التأقلم مع والتخفيف من الآثار؛ وأن يكون العالم العربي قائدا بالمثل؛ وأن يبدأ التحوّل الذي باتت مجتمعاتنا وبُنانا الحكومية في أمسّ الحاجة إليه من أجل ضمان استدامة مجتمعاتنا.

 لقد باتت معالجة التغيّر المناخي ملحّة وغاية في الأهميّة. فنحن الآن على القمة وأيّ خطوة إضافية ستكون باتّجاه الانحدار. إنّ على الحكومات أن تأخذ خطوات جرئية وغير مسبوقة لضمان تقدّم وسلامة شعوبها، ومعيشتهم، بل والكوكب. لقد بدأت مفاوضات التغيّر المناخي قبل عشرين عامًا في محاولة لحلّ واحدة من أكبر تهديدات الوجود البشري، واليوم يجب تذكير الحكومات بأهميّة هذه القضية وبمسؤوليتهم تجاه مواطنيهم والبشرية جمعاء، خاصة تجاه الدول الأكثر هشاشة والأقل تقدمًا. لزامًا عليهم اليوم أن يتوقّفوا عن الكلام وأن يبدأوا العمل من أجل تحقيق التغيّر الملموس.

ستنتهي المفاوضات يوم الجمعة السابع من كانون الأول/ديسمبر، وسيعود الكثير من الوفود إلى دولهم دون تغيير في الأسلوب المعهود لتسيير الأمور. اليوم الأمر عائد لنا نحن، مجموعات الضغط الدولية والوطنية والمجتمع المدني والناشطون، لممارسة الضغط على حكوماتنا لتشريف التعهّدات ورفع أهداف تخفيض الانبعاثات، ولزيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة المتجدّدة، ولاتّخاذ دور تقدّمي للدّفع باتّجاه اتفاقية عالمية منصفة وعادلة يتمّ التوقيع عليها في 2015 بحيث تصبح نافذة في 2020.

ليس من تعبير أفضل من التعبير الذي استعمله المفاوض الأساسي في الوفد الفلبيني، في جلسة بروتوكول كيوتو حين خاطب الأطراف المجتمعين قائلا: إن لم يكن نحن، فمَن إذًا؟ إن لم يكن الآن، فمتى؟ إن لم يكن هنا، فأين؟

هذه أسئلة موجّهة لنا جميعًا. فكما نحن شركاء أمام التهديدات، فيجب أن نكون شركاء أيضًا في تحمّل المسؤولية للعمل والتجنيد والتغيير.