التكيّف مع مُناخٍ مُتغير في البلدان العربية

وقت القراءة: %count دقائق

أمل الدبابسة

التكيّف مع مُناخٍ مُتغير في البلدان العربية

December 17, 2012

اطلق البنك الدولي وبالتعاون مع دولة قطر تقريرا اقيلميا حول "التكيف مع مناخ متغير في البلدان العربية". وقد استمر العمل على هذا التقرير قرابة عامين ليُشكّل بذلك مظلّة لمعالجة تغير المناخ في المنطقة العربية. وقد اشار المعنيون في حفل الاطلاق ان من المتوقع أن يوفر التقرير والأوراق الخلفية مدخلات للتقرير التقييمي الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المقرر إصداره في 2013- 2014، مما يمكن أن يؤدي إلى تغطية شاملة للبلدان العربية في ذلك التقرير. ويتوجه هذا التقرير والأنشطة المرتبطة به في المقام الأول إلى صنّاع القرار في الدول العربية من أجل دعم وتوجيه جهودهم الرامية إلى التكيف مع تحديات تغير المناخ.

ويذكر التقرير ان أولى التجمعات البشرية بما فيها المدن والمجتمعات الزراعية قد بدأت في منتطقنا العربية، والتي ابتكرت طرقا مختلفة للتجاوب مع المُناخ المتغيّر. وقد تمكّن الناس في هذه المنطقة من التكيّف لآلاف السنين مع تحديّات تغيّر المُناخ والتغلب عليها من خلال مواءمة استراتيجيات البقاء والنجاة مع التغيّرات الحاصلة في معدلات الحرارة وهطول الأمطار. ولكن يحمل هذا التقرير رسالة واضحة وجلية، ومفادها بأن هذا التغيّر سيزداد عبر القرن المقبل، وأن مُناخ البلدان العربية سيشهد تطرفات ومعدلات قصوى غير مسبوقة، إذ سيطرأ على درجات الحرارة ارتفاعات جديدة، كما سيقل معدل هطول الأمطار في معظم الأماكن، وستنقص كميات المياه المتوفرة، ومع تنامي أعداد السكان فإنه قد لا يتوفر لدى المنطقة التي تعاني أصلاً من شح المياه الإمدادات الكافية لري المحاصيل، ودعم الصناعة، أو حتى توفير مياه الشرب.

ان من شأن تغيّر المناخ في العديد من الحالات أن يلفت الانتباه إلى بعض القضايا التي كانت مغفلة سابقاً، فعلى سبيل المثال ساهمت أنظمة الصرف الصحي غير الفعالة الموجودة في الأماكن الحضرية في حدوث الفيضانات في بعض المدن العربية، ولذا، فإن التهديد بحدوث المزيد من الفيضانات القائم نتيجةً لتغيّر المناخ يمكن أن يشكل الحافز المطلوب للتحسين أخيراً من هذه البنية التحيتة. أما في المناطق الريفية، فإن تغير المناخ يجبر المجتمعات على إعادة النظر في الأدوار المنوطة بالمرء منذ أمد طويل وفقاً لجنسه البشري، حيث عملت على تكريس عدم المساواة بين الجنسين. ونتيجة لذلك، فإن تغيّر المناخ يقدّم العديد من الفرص، ليس فقط للحد من قابلية التضرر، بل وللمساهمة أيضا في تحقيق المزيد من التنمية طويلة المدى.
إن سكان البلدان العربية وصانعي السياسات قد جربوا بالفعل آثار تغير المناخ: من ارتفاع درجات الحرارة، إلى زيادة حدوث الظواهر القصوى مثل الجفاف والفيضانات السريعة، والتي أصبحت هي السلوك الجديدة. حيث يشير التقرير "لقد كان العام 2010 هو الأكثر حرارةً منذ أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر عندما بدأ العمل على إحصاء ذاك النوع من البيانات، حيث سجلت في ذلك العام 19 دولة مستويات وطنية جديدة لارتفاع درجات الحرارة، خمس منها كانت دولاً عربية من بينها الكويت التي سجلت رقما قياسيا بلغ 52.6  درجة مئوية في العام 2010 وتلاه الرقم 53.5  درجة مئوية في العام 2011". 
ستشكّل مسألة شح المياه وعلى نحوٍ متزايد تحدياً كبيراً في البلاد العربية، حيث تحتوي المنطقة العربية على أقل الموارد الطبيعية للمياه العذبة في العالم، إذ تعاني كافة البلدان العربية باستثناء ستة منها (جزر القمر، العراق، لبنان، الصومال، السودان، وسوريا) من شح المياه، والذي يعرّف على أنه حصول الفرد على أقل من 1000 متر مكعب من المياه في العام. وتشير التقديرات إلى أن تغير المناخ سيقلل من جريان المياه بنسبة 10% بحلول عام 2050. أما حاليا، فتعاني  المنطقة من العجز المائي (الطلب أكبر بكثير من العرض)، ومع تزايد عدد السكان وتزايد الحصص المطلوبة للأفراد في استخدام المياه، فإنه من المتوقع أن يشهد الطلب مزيدا من الارتفاع بسبة 60 في المئة بحلول عام 2045. كما سيؤدي التغير المناخي الى تقليل الإنتاج الزراعي في البلدان العربية. وتشير التوقعات إلى أن معدل الزيادة في الإنتاج الزراعي سيتباطأ على مدى العقود القليلة القادمة، وقد يبدأ  في الانحدار والتراجع بعد عام 2050. اما فيما يتعلق بالمناطق الحضرية، والتي يشكل عدد شكانها ما يزيد عن 56% من مجموع سكان البلدان العربية، فيشير التقرير الى ان هناك زيادة في نسبة حدوث الفيضانات السريعة في المدن في مختلف أنحاء المنطقة العربية نتيجة لازدياد كثافة هطول الأمطار، وانتشار الأسطح الخرسانية التي لا تمتص الماء، وقلة ونقص كفاءة شبكات الصرف الصحي وانسدادها، وزيادة البناء في المناطق ذات الانحدارات المنخفضة والوديان. وقد تضاعف عدد السكان المتضررين من الفيضانات على مدى السنوات العشر الماضية ليصل إلى 500,000 شخص في مختلف أنحاء المنطقة العربية.

ويشير التقرير الى اثار تغيّر المناخ على قطاع السياحة والتهديدات المحتملة على هذا القطاع الذي يعد مصدراً مهماً للايرادات وتوفير فرص العمل. حيث تسهم السياحة اليوم بتوفير ما مقدراه 50 مليار دولار أمريكي سنوياً في المنطقة العربية، أي ما يشكّل حوالي 3 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، ويتوقع للسياحة أن تنمو بنحو 3.3 في المائة سنويا على مدى السنوات العشرين المقبلة، كما تعد أيضاً قطاعا مهماً لفرص العمل، حيث إن ما يقرب نسبته من 6 في المائة من العمالة والتوظيف مرتبطة بقطاع السياحة. ويؤثر تغيّر المناخ سلبا بالتقدم المحرز في تحقيق المساواة بين الجنسين في المنطقة العربية.  حيث يعاني الرجل والمرأة من تأثيرات تغير المناخ بشكل مختلف وذلك اعتماداً وإلى حد كبير على دور كل منهما في المجتمع. ومع ذلك، فإن نساء الريف يكنّ في معظم الحالات أكثر عرضة وتأثراً بالخطر وبطرق أكثر من رجال الريف. وسيكون لتغير المناخ تأثيراً كبيراً على الأحوال المعيشية وكسب الرزق في الريف، فسيشعر المزيد من الرجال بأنهم مضطرون إلى الانتقال إلى المدن بحثا عن فرص العمل المأجور، والتي تكون في معظمها مؤقتة ولا تحتاج إلى المهارة، كما أنها تتسم بمحدودية الأمن الوظيفي، وتدني الأجور، وظروف المعيشة المزدحمة، وتردي الدعم الصحي. ونتيجة لذلك، فإن النساء في الريف تأخذ، علاوة على عبء العمل الثقيل الذي تؤديه في تنفيذ مهامها المنزلية وإدارة الموارد الطبيعية، دور الرجل الغائب في المجتمع، ولكن مع وجود تحديات إضافية.

وتتفاوت تأثيرات تغير المناخ على صحة الإنسان من شخص لآخر، وغالباً ما تكون غير مباشرة. حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة  بشكل مباشر إلى زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض (حالات الوفاة) من خلال الإجهاد الحراري، كما يؤدي بشكل غير مباشر إلى حدوث السكتات الدماغية والأمراض المرتبطة بالقلب. وتؤثر الظروف المناخية ذات الحرارة العالية أيضاً على النطاق الجغرافي للحشرات الناقلة للأمراض، مثل البعوض. وهذا من شأنه أن يعرّض تجمعات بشرية جديدة لأمراض لا تكون مستعدة لها مثل الملاريا وحمى الضنك. وسيؤدي اضطراب الممارسات الزراعية الحالية، في المنطقة العربية، إلى انتشار سوء التغذية على نطاق أوسع، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وزيادة التعرض للإصابة بالأمراض والمشاكل الصحية الأخرى، ولا سيما في حال حدوث المزيد من الهجرة إلى أماكن التجمعات والاستقرار غير الصحية.  وتتسبب الآثار الناجمة عن سوء تغذية الأطفال على وجه الخصوص بالمزيد من المتاعب والمشاق، لا لأنها تؤدي إلى ارتفاع معدل وفيات الأطفال فحسب، بل ولأنها تؤدي أيضاً إلى المزيد من الإعاقات الجسدية والذهنية.

واخيرا يمكن لهذا التقرير أن يستخدم كخارطة طريق للمضي قدما، حيث يسعى هذا التقرير إلى أن يقدم، ولأول مرة، تقييماً منطقياً مترابطاً لتأثيرات تغير المناخ على المنطقة العربية والمخاطر الناجمة عنه، وللفرص المتاحة، والإجراءات اللازم اتخاذها. وتفسّر المعلومات التي يبرزها هذا التقرير التأثيرات المحتملة لتغير المناخ واستجابات التكيف المطلوبة في القطاعات الرئيسية مثل المياه والزراعة والسياحة، والنوع الاجتماعي والصحة، وكذلك في المناطق الحضرية والريفية. ويحاول التقرير إحراز تقدم في المناقشة من خلال تقديم النصح بشأن التكيف مع تغير المناخ إلى صانعي السياسات في البلدان العربية. ويتولى ذلك من خلال ثلاث طرق.  أولها أنه يقترح إطار هرم التكيف حول كيفية المضي قدما في جدول الأعمال هذا. ثانيا فإنه يقدم تصنيف لنهج السياسات ذات الصلة بالمنطقة والتي من شأنها أن تسهل استجابات السياسات الفعالة لصانعي القرار. في حين تكمن الطريقة الثالثة في تقديم  مصفوفة تلخص توصيات السياسات الرئيسية من كل فصل من الفصول.