غياب التغطية الاعلامية الحقوقية تسيطر على غرف الاخبار الاردنية عند تناولها لقضايا العمال المهاجرين/ات

عامل مهاجر

عمان- عوامل عديدة تحكم أسس التغطية الاعلامية الاردنية لقضايا العمال المهاجرين/ات، قد يكون على رأسها مبدأ اولويات السياسات التحريرية في مطابخ الاعلام الاردنية، والتي عادة ما يحكمها الصورة النمطية التي يحتكم إليها صناع القرار في الاعلام، يعكسها الاعتقاد بأن الاولوية لتسليط الضوء على قضايا العمال المحليين في ظل تزايد التحديات التي تواجه سوق العمل الاردني ومنها تزايد نسب البطالة على سبيل المثال.

 ورغم تزايد اهتمام الاعلام المحلي في السنوات الاخيرة بضرورة عكس ثقافة احترام حقوق الانسان في التغطيات الاعلامية وخاصة في تغطية قضايا الفئات المهمشة التي يقع ضمنها العمال المهاجرين/ات، وهذا له عدة اسباب قد يكون أهمها توسع استثمار منظمات المجتمع المدني، وهي اكثر الجهات التي تتبنى ملفات الدفاع عن قضايا حقوق الانسان، في عقد تدريبات وورش عمل تستهدف العاملين في الاعلام بهدف زيادة التزامهم بالمعايير والمبادىء المهنية عند تغطية قضايا حقوق الانسان، الا ان ذلك لم ينعكس بشكل فعلي وملموس على طبيعة التغطيات الصحفية ليؤكد خبراء وخبيرات في هذا الشأن ان غالبية التغطيات الاعلامية لم تستندْ إلى استراتيجيّة  محدّدة  واضحة، ليقتصرَ التّعامل مع هذا الملف على أخبار وتقارير تنشر هنا وهناك، وأحيانًا دون الالتزام بمعايير إعداد المادّة الإعلاميّة، ممّا يفرغ هذا الملفّ من مضمونه، ولا يعطيه الأهميّة التي يجب أن يحظى بها.

هذا الامر تؤكده المديرة التنفيذية لجمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الانسان لندا كلش، لتلفت الى دراسة رصدية أعدتها "تمكين" العام الماضي وتحمل عنوان "عدسة الإعلام المحلي تجاه قضايا العمال المهاجرين: تنقل قضايا العمال المهاجرين دون صوتهم، العمال المهاجرون في الإعلام الأردني صوت غائب ومكتوم" أكدت بشكل جلي ان ملفات حقوق العمال المهاجرين في الأردن تعاني من عدم وجود اهتمام إعلامي محلي  كافٍ بها، مبينة إنه على الرغم من بعض المحاولات الإعلامية هنا وهناك، إلا إنه يمكن القول عمومًا أن التغطية الإعلامية لقضايا العمال لم تصل يومًا لتتواءم مع أهمية هذه القضايا، رغم أن أهمية دور وسائل الإعلام في التّوعية بقضايا حقوق الإنسان، التي تشمل حقوق العمال وقضاياهم، تُشكَل قوّة لا يُستهانُ بها في مجال صياغة وتشكيل الرأي العام وبناء الثّقافة المجتمعيّة حيال قضيةٍ ما، لكونها تملك أدوات تمكّنها من الوصول إلى أغلب شرائح المجتمع.

تقول كلش: "غالبًا ما تؤدي محدودية المعرفة وضعف الفهم الفني بين العاملين في الإعلام، تحديدًا الصحفيين، ناهيك عن الافتقار إلى معلومات وبيانات الهجرة المتاحة لإثراء عمل الصحفيين ذوي النوايا الحسنة، إلى إنتاج تقارير ضعيفة، ولا تعبر عن واقع الحال المُعاش بالنسبة للعمال المهاجرين. كما يمكن التأكيد أن غالبية وسائل الإعلام المحلية لا تستند في تغطيتها لقضايا العمال المهاجرين والقضايا العمالية عمومًا، إلى استراتيجيّات محددة وواضحة، ليقتصر التعامل مع هذا الملف على أخبار وتقارير تنشر في صحف ومواقع متفرقة، وأحيانًا دون الالتزام بمعايير إعداد المادّة الإعلاميّة، ممّا يفرغ هذا الملفّ من مضمونه، ولا يعطيه الأهميّة التي يجب أن يحظى بها."

أهم نتائج دراسة "تمكين"، التي استندت إلى تحليل المضمون الكمي والنوعي للكشف عن حجم التغطية الصحفية لقضايا العاملين/ات في المناطق الصناعية المؤهلة وعاملات المنازل، وقياس مدى التزام وسائل الإعلام المرصودة بتغطية قضايا العاملين/ات في المناطق الصناعية المؤهلة وعاملات المنازل، بطريقة محترفة صحفيًا، وتلتزم بمعايير الدقة والموضوعية والحياد، حيث حللت الدراسة ما تم نشره في ثلاثة صحف خلال عشرة أعوام من عام 2010 إلى عام 2019 بينت ان عدد المواد الصحفية المنشورة في الصحف الثلاثة الرئيسية في الاردن (الرأي، والدستور، والغد) في أشهر آذار وتموز وتشرين الثاني من عام 2010 إلى 2019، التي تناولت بشكل أو بآخر؛ أخبارًا حول العاملين في المناطق الصناعية المؤهلة وعاملات المنازل (468) مادة صحفية، من ضمن آلاف المواد الصحفية التي نشرت خلال السنوات العشر الماضية في الصحف؛ حيث لم تتجاوز نسبة المواد الصحفية التي خصصت للحديث عن الفئتين المذكورتين 2% من مجموع المواد الصحفية وهي نسبة منخفضة جدًا.

ومن بين (468) مادة صحفية تم نشرها في الصحف الثلاث خلال فترة الرصد تخص قضايا العاملين في المناطق الصناعية المؤهلة أو عاملات المنازل، تم إرفاق صور مع (66) مادة صحفية فقط وبنسبة 14% من مجموع الأخبار، في حين خلت بقية المواد من وجود صور.

 وبتصنيف أهمية المواد الصحفية حسب رقم الصفحة تم نشر المادة الصحفية التي تخص الفئتين موضوع الرصد، من بين (468) مادة صحفية تم نشرها خلال فترة الرصد، (110) مواد صحفية تم نشرها في الصفحات من الأولى إلى الرابعة، وبنسبة 23%، في حين بلغ عدد المواد المنشورة في الصفحات الخامسة إلى الثامنة (172) مادة صحفية، مُشكِّلة ما نسبته 37%، أما المواد التي تم نشرها في الصفحات من الصفحة التاسعة إلى نهاية صفحات الجريدة فعددها 186 مادة مُشكِّلة ما نسبته 40%.

 

  هذا ونشرت الصحف الثلاث، خلال فترة الرصد، (191) مادة صحفية وبنسبة 41% في الجزء العلوي من الصفحة، ما يعني أن (277) مادة صحفية تم نشرها في الجزء الأسفل من الصفحة وبنسبة 59% من مجموع المواد الصحفية.

 أما بالنسبة للمواد الصحفية التي التزمت باستخدام مفردات ومصطلحات حقوقية، فكان عددها (108) مواد وبنسبة 23% في كافة الصحف، لتحتل صحيفة الغد المرتبة الأولى في مدى التزامها بذلك بنشرها (54) مادة بنسبة 50% من المواد المنشورة في الصحف الثلاثة خلال فترة الرصد، تلتها صحيفة الدستور بنشرها (39) مادة بنسبة 36% ومن ثم صحيفة الرأي بعدد مواد بلغ (15) مادة صحفية فقط وبنسبة 14.3%.

وبمراجعة الـ (468) مادة صحفية المنشورة في الصحف الثلاث، خلال فترة الرصد، احتوت (165) مادة صحفية على صور نمطية وبنسبة 35% من مجموع المواد الصحفية المنشورة، حيث كانت النسبة الأكبر من المواد التي تحمل صورًا نمطية منشورة في صحيفة الرأي بعدد (68) مادة بنسبة 41%، تلتها صحيفة الدستور ب (59) مادة بنسبة 36%، والغد بعدد مواد بلغ (38) مادة بنسبة 23%.

 

الصحفي والخبير الاعلامي في مجال تغطية قضايا حقوق العمال المهاجرين محمد شما يلفت الى ان المتابع لملف تغطية وسائل الاعلام في الاردن لقضايا العمال يكاد يجزم أنه لا يحظى باهتمام كافٍ في الأوساط الإعلاميّة، لاعتباراتٍ عديدةٍ؛ بعضها خاصّ بالسياسة التّحريريّة المتّبعة في وسائل الإعلام، حيث عادة ما تكون التقارير والأخبار الخاصّة بحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق العمال، على ذيل اهتمامات هذه السياسات، لتفرد المساحة الأكبر للحديث عن أخبار السّياسة ومن ثمّ الأخبار المتعلّقة بالأنشطة الحكوميّة، ليبقى هامشًا صغيرًا لأخبار منظّمات المجتمع المدنيّ كالنقابات العمالية والمنظمات الحقوقية، التي عادة ما تكون هي الجهة الأكثر اهتمامًا بحقوق العمال.

يضيف شما: "بما ان الهدف الرئيسي للاعلام هو ضمان حصول كل فرد على حقوقه التي كفلتها التشريعات المحلية والدولية، فهذا يضع على كاهل العاملين/ات في الاعلام مسؤولية كبيرة، تعرضهم للكثير من المسؤولية سواء امام القانون، او امام المجتمع، ما يعني ضرورة سعي الصحفي/ة دوما الى الالتزام بالمعايير والمبادئ المهنية".

حول نقطة الالتزام بالمعايير والمبادئ المهنية، يعد ميثاق الشرف الصحفي الاردني المرجعية الوحيدة التي تطرقت الى المبادئ الاخلاقية المهنية التي يجب على منتسبي النقابة التحلي بها عند ممارستهم لمهنة الصحافة، وفيما يضم هذا الميثاق 17 مادة رسمت خارطة طريق مهنية لمنتسبي النقابة، الا ان الميثاق لم يتطرق للمبادئ والمعايير التي يجب تبنيها عند تغطية حقوق بعض الفئات مثل اللاجئين والمهاجرين في حين انه خصص بعض مواده للحديث عن مبادىء تغطية فئات مهمشة مثل المرأة والطفل، وكذلك، ركز الميثاق على استخدم مصطلح " حقوق المواطنين" ما قد يتم اعتباره او تفسيره بأن الاعلام المحلي معني فقط بحقوق السكان المحليين دون اللاجئين او المهاجرين او المقيمين.

من جهة أخرى، وبسؤال كافة المؤسسات الاعلامية المحلية سواء العاملة في الاعلام المكتوب، او المسموع او المرئي فيما اذا كان لديها مدونة سلوك او اخلاق خاصة لتشكل مرجعية للصحفيين/ات عند اعدادهم لتقاريرهم الصحفية، كانت الاجابة ان ميثاق الشرف الصحفي الاردني هو المرجعية الوحيدة لهم، مع الاشارة لوجود نظام داخلي في كل من هذه المؤسسات الاعلامية تتطرق بعض مواده للمبادىء الاخلاقية للتغطية الصحفية وهناك عقوبات لمن يخالفها.

لغايات اعداد هذا التقرير، تم الاتصال مع 32 صحفي وصحفية يعملون في مؤسسات اعلامية محلية، 26 منهم قالوا انهم لم يقرؤوا ميثاق الشرف الصحفي الاردني، حتى ان جزء كبير منهم لا يعلم بوجوده، وكذلك قال 21 صحفي/ة انهم لم يطلعوا على الانظمة الداخلية الخاصة بمؤسساتهم ولا يعلمون فيما اذا كانت فيها موادا تتطرق لمبادئ ومعايير العمل الصحفي.

رئيس تحرير صحيفة "الغد" الاردنية مكرم الطراونة يؤكد ان ”الصحيفة التفتت الى هذا الامر إيماناً منها بأن تقديم تقارير متوازنة ودقيقة عن العمل والهجرة يساهم في تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية المستدامة من خلال وسائل الإعلام التي لديها القدرة والسلطة لمجابهة التصورات المسبقة والترويج لأفكار ووجهات نظر جديدة، فعندما تكون وسائل الإعلام مطلعة وتقدم تقاريرها عن مجموعة واسعة من قضايا الهجرة بطريقة دقيقة وحساسة، فعندئذ تلعب دوراً هاماً في إعلام وتثقيف الجمهور وتساعد في مجابهة ومواجهة المواقف والسلوكيات السلبية تجاه المهاجرين، كما تدعم المناقشات العامة المستنيرة بدورها لصنع سياسات سليمة تراعي المبادئ الدولية لحقوق الإنسان".

لذلك، يلفت الطراونة الى ان صحيفة الغد اعتمدت في شهركانون الآول/ ديسمبر الماضي مدونة سلوك حول الكتابة الصحفية الأخلاقية عن العمل والعمال المهاجرين، تهدف الى إحاطة الصحفيين/ات العاملين في صحيفة الغد بالإرشادات اللازمة للتغطية الصحفية لقضايا العمل والعمال/ات، بهدف تعزيز الفهم العام المتوازن للهجرة العاملة، واللغة الحقوقية وأسلوب التغطية الإعلامية الواجب إتباعه حول قضايا العمال المهاجرين/ات  التي يجب على الصحفيين التقيد بها والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من سياسات العمل لدى صحيفة الغد.

وقال الطراونة "كما ستعمل صحيفة الغد على تدريب الصحفيين/ات العاملين فيها على كيفية تطبيق والالتزام بهذه المدونة من أجل الالتزام بمعايير العمل الدولية بهذا الخصوص. وبذلك، تعتبر صحيفة الغد الأردنية، أول مؤسسة إخبارية أردنية تعتمد مدونة سلوك خاصة بالتغطية الصحفية الأخلاقية عن العمل والعمال المهاجرين".

تنبع أهمية هذه المدونة الاخلاقية، بحسب الطراونة، من الحاجة لايجاد مرجعية للصحفيين/ات الاردنيين عند تغطيتهم لقضايا العمال المهاجرين/ات، نظرا لعدم وجود اي مدونة اخلاق صحفية محلية تناولت هذا الامر تحديدا، مع الاشارة ان هذه المدونة ستتطرق الى المعايير العامة التي يجب على الصحفيين/ات التقيد بها عند تغطية أي قضية او انتهاك او خبر، ومن ثم ستورد مبادئ صحفية خاصة بتغطية قضايا الهجرة وتحديدا العمال المهاجرين بحسب الطراونة.

يتفق الخبراء والخبيرات الذي استطلعت ارائهم في هذا التقرير على ضرورة ايجاد منظومة اعلامية شاملة تتبناها جميع الاطراف ذات العلاقة من سواء نقابة الصحفيين الاردنيين او المواقع الصحفية الالكترونية ويكون لها صفة الالزم للمؤسسات الاعلامية الحكومية والخاصة في الاردن، تركز على ايجاد مساحة معقولة للفئات الاكثر تهميشا ومنها فئة العمال المهاجرين/ات، ويرافقها تدريب للصحفيين يشجعهم على الانخراط في تغطية قضايا العمال المهاجرين/ات.